bc

سوء توقيت (الجزء الثالث)

book_age16+
29
FOLLOW
1K
READ
billionaire
dark
second chance
playboy
drama
bxg
scary
campus
spiritual
like
intro-logo
Blurb

- جعلتموني أهبط لبشاعتكم, أتنازل لمُثلكم بعدما أبصرتُ أطماعكم فمن أنا لأستعلى, لأشاركم السخط لنتواصل بالنبذ. لتموتوا جميعاً, أليس كذلك حبيبي؟!

= لازال هناك أمل شاركيني السماء لأطير بكِ للأفق .

- الأرض أمان عن السماء .

= أتركِ الأرض لخطائيها وأسكنِ السماء ملاكاً ملاكي.

- تباً لماذا دائماً تكون محقاً .. لنسكن السماء وننبذ البشر ولكن ماذا عن من عذبونا ؟!

= لينال منهم شرهم .

- ماذا عن إنتقامنا ؟!

= لسنا في حاجة إليه بحوذتنا حبنا .

- ماذا ..

= ماذا عن بعض الصمت لنستمع لهويد الليل و هزج الفراشات .

chap-preview
Free preview
الفصل العشرون
جلال عبد المقصود ألا تباً, و أنا من ظننت أن أبي قد تزوج بالفعل من إبنة عضو المجلس المحلي لبلدتنا الحبيبة وليس مجرد عاملة بمعرضه للأثاث, بل وحسب أبي أن هناوة قد تغفل عن تلك المعلومة كما إستغفل جميع أبنائه خاصة أصغرهم و أبعدهم قرباً. ثار الوالدين للمرة الأولى أمام ولدهما .. يسب كلا منهما الأخر, هى تنعته بالخائن الطامع, وهو بعديمة الحياء الجاهلة تربية الجن والعفاريت .. حاولت التفريق بينهما قيد جهدي, تهدئتهما إكراماً لكل جميل و صنيع سرى بين زوجين إنما لم تهدأ غير والدتي حيث قالت : -          تشرب شاى يا عبده ؟ استنكرتُ هدوئها و مطلبها على حدٍ سواء أما  أبي صاح بها بجنون  : -           انت اتجننتى يا وليه !! قالت أمي بذات الهدوء مضيفة إليه بعض البشاشة : -         إشرب الشاى وبعدين أمضيلك على ورث ابويا  غلتطش انا ؟ لم تنتظر هناوة رد من زوجها و إختفت عن المجلس لتعد الشاى إنما هدأ عبد المقصود بعض الشيء وجلس يلتقط أنفاسه من عناء ما لاقاه اليوم. قبل أن يأتي الشاى أتت الصغيرة فقد أيقظها صياح الأجداد من قيلولتها, توجت إلي متعثرة بكل خطوة تخطوها تجاهي, فألعابها متراصة بكل بقعة بالمنزل بلا تنظيم, تفرك أعينها بسبابتها, تنتهي خطواتها الي جانبي, رأسها مرتكنة لكتفي إنما سحبها جدها إليه قبل أن تستكين بأحضاني.  قبَّل الجد رأس الصغيرة ثم قال : -          إختارتها هي دوناً عن كل أحفاده عشان أصغرهم و ابوها مايل إبن أمه . أجبت أبي بكل أريحية : -         شكراً . إحتد أبي من جديد يكذبني بالقول : -          بالذمة ما كنتش تعرف هي ناوية على إيه ؟ -         والله العظيم تلاته ما كنت أعرف ولا ليَّ أي يد في اللي حصل..  وعلى العموم ليها حل .. حتى في وجود امي انا الواصي على هنا ومن بعدي جدها اللي هو انت او جدها ابو امها و ده لمواخذه يوزنا كلنا فلوس. إطمئن قلب عبد المقصود, بدى على محياه الإرتياح قليلاً ثم قال مازحاً مشيراً إلى هنا : -         شبه أمك الخالق الناطق .. لما بشوفها بتلبش. ضحك عبد المقصود و ضحكتُ أنا الأخر ساخراً من ألامي ثم إستطرد أبي: -         بتشوف المستخبي  زى أمك ؟ أجبته نافياً بشدة : -         لا خلاص الحمد لله مابتشوف حاجه يا حاج .. خشي اوضتك يا هنا.  رفض الجد إقصاء الصغيرة شبيهة جدتها وأخرج من جيب جلبابه محفظته العامرة, استل منها ورقة حمراء من فئة الخمسون جنيه, تعرف مصيرها بمفردها و صاحبتها لم تنتظر ثانية أخرى لتقبض عليها و تدسها  في جيب منامتها الوردية. -          بوسي إيد جدو وأشكريه يا هنا. قلتُ مشدداً على الصغيرة إلا أنها لم تلبي و من لبت جدتها, أتت بكوب واحد من الشاى و لم تصنع لي أو لهنا محبة الشاي بكل الاوقات. وضعت أمي الصنية التي تحمل كوب الشاي على طاولة الصالون الصغيرة ثم ناولت الكوب لأبي قائلة بهدوء آسر : -          إشرب يا عبده روّق دمك يا أخويا .. الدنيا مش مستهلة. أجابها أبي بحدة : -          ما تقولي لروحك وليه خرفانه صحيح. هم عبد المقصود لوضع الشاي الساخن على الصنية مجدداً إلا أن الصغيرة أوقفته قائلة :   -         أشرب معاك يا عبده ناولها جدها الشاي فأزاحته الجدة عن فم الصغيرة قائلة : -          مش هتعرفي تنامي بلليل ..إشرب يا عبده. قال أبي بحنق : -          - بشربه بارد ولا نسيتي.   تتذكر جيداً فقد كانت تعد الشاي قبل وضع الطعام على المائدة ليشربه بعد كل وجبة مباشرة معتدل الحرارة ولكن الان التعجل مطلوب قبل أن تعدل عن رأيها و تشرب الشاى عوضاً عن إبن عمها و زوجها وأبو أبنائها,  سنون حلوة و مرة أنساها حلوها مرها بغَرفة من يده ليسقيها, او كفه تربت على كتفها, نظرة من عيونه الشاكرة الحامدة رضا الله لما إنتظرته أصغر بنات أعمامه, عشرة طيبة أنهتها سمراء ماكرة إستغلت طيبة إبن عمها ليرفعها من سُكنة الارصفة للقصور . برد الشاى وحان الموعد فرفع عبد المقصود الشاي ولكن إستوقفته الصغيرة مجددًا قائلة : -          هات شويه بقه. لم تنتظر الصغيرة وجذبت كوب الشاي من جدها و همت للإرتشاف فجذبت الجدة كوب الشاي بقوة وصاحت بالصغيرة : -         انت ما بتسمعيش الكلام ليه يا مقصوفة الرقبه مش هتشربى شاى .. قومِ من هنا.  إحتد عبد المقصود مجددا بعدما تساقطت بضع قطرات من الشاى على عبائته الحريرية ملطخةٍ إياها وصاح بهناوة : -         أما صحيح وليه مجنونة ايه اللى انتِ عملتيه ده .. هرجع البلد ازاى دلوقتى ؟!      فزعت الصغيرة من الأجداد القلقين وذهبت لتحتمي بأبيها بعدما نهرت بهذه القسوة وبلا أسباب. إحتضنتها وحملتها ودخلت بها لغرفتها بعدما هدأت الأجواء الأغرب على الإطلاق. شيئ يدعوا للتأمل حقاً إن كانت أمي تنوي ترك ثروتها لزوجها فلِمَ كتبت ثروتها لهنا ببادئ الامر ولِمِ تركت قصرها و أتت لخرابتي كما تنعت بيتي. نساء لا يعرف مخلوق بالكون ما يدور بخلدهن. وضعتُ الصغيرة على سريرها و بدئت بترتيب الغرفة, و كان أول ما رأيتُ من أشياء وجب محوها صورة لإبن منير رسمتها الصغيرة ومن حولها كلمات عديدة بالألمانية. مزقتُ الإسكتش و تحولتُ للصغيرة غاضباً فسارعتني بغضبها قائلة : -           إنت وحش و ناننا وحشه انا بكرهكوا كلكوا .. يارب تروحوا النار. أصرفت الغضب عن ملامحي وقلت أستدعي من الهدوء ما تيسر: -          هجيبلك إسكتش غيره .. أعملك شاي ؟ لم تجيبني كحالها عند الغضب من أبيها و كأنني في حاجة للمزيد من الغضب. حملتها مجدداً علها ترضى عني وعن جدتها بهذه الظروف العصيبة ودخلت بها الى المطبخ لإعداد الشاى . أنزلتها لتجلس أعلى طاولة المطبخ كما تفضل ثم تنحيت لناحية الموقد و وضعتُ إبريق الشاي من أعلاه. عدتُ للصغيرة لأخرج من الدرج أعلاها كوبها المفضل, تناولته مني ظناً منها إنها تساعدني عبر حمله, إنما لم أستنكر و شكرتُ مساعيها الدئوبة لإرضاء ابيها  ثم ذهبتُ لجلب الشاي, و سكرها الخاص بحالتها المرضية لجديدة.  لما رأتني مقبل قالت بتملل: -         أوف بقه السكر ده وحش. نزلت الصغيرة عن الطاولة و فتحت إحدى الادراج السفلية, أخرجت من الأخير زجاجة داكنة المغلف, سوداء, محتواها لا يظهر كننه, ناولتني إياها و قالت : -           حط من ده ناننا حطت منه لجدو .. عشان عنده سكر زيي. نظرتُ للمحتوى المذكور على الزجاجة الصغيرة, وجدت أنه كتب عليها من جميع الجهات بالإنجليزية سُم قوي للحيوانات الأليفة, و إبنتي تقرأ الإنجليزية و الألمانية وتعرف محتوى الزجاجة وتناولني إياه رغم ذلك.  نظرتُ لإبنتي التعجب يطويني طياً : -          مين اللي جاب الازازه دي يا هنا ؟ -          نانا جابتها عشان الكلب بتاعها عيان. أي الكلب, بيتي ليس به كلاب و كذلك قصر دمياط, إذاً لمن السم,  و من أين حصلت أمي على زجاجة على تلك الشاكلة من الخطورة و بكل سهولة, و قد كانت الإجابة كذلك لدى الصغيرة, أمي العاقلة الرزينة إصطحبت إبنتي لشراء السم من صيدلة زوجة زميلي بالعمل وجاري و صديقي لتقتل أبي؛ زوجها لمجرد أنه تزوج امرأة أخرى. بعد الحقائق التي تكونت بعقلي المحترق من كيد النساء إرتخت قبضتي المطبقة على زجاجة السم فسقطت و تهشمت ذراتها أرضاً.  خرجت من المطبخ مهرولاً مهمتي الأولى و الأخيرة إنقاذ أبي من الموت كما أرجو من الله, و قد استجاب لتضرعي, الكوب المسمم على طرف شفا أبي فـأطحت به قبل أن يبلل شفتاه برشفة منه و ألقيت بالكوب أرضًا مما جعل أبي يصيح بعصبية: -          إنتوا إجننتوا كلكوا ولا إيه ؟! نظرت لأمي وجدتها هي من تحدجني بغضب, مستنكرة إنقاذ أبي من القتل على يدها, لم يكن بعيونها نظرة أسف على فعلتها النكراء بل إصرار مطلق على القتل الغير رحيم . لم أقوى على لفظ الإتهام تجاه أمي, و أعترافها بجرمها غير مرجح بزمن فإضطررت أن أقول عنها بكل ثقة و صلافة  لم أمارسها أمام أبي قبلاً: -          بقولك يا حاج .. انا المسئول عن فلوس هنا .. واى ورقه تحب تمضيها انا هجيلك بنفسي دمياط أمضيهالك .. أى اوامر تانيه ؟ صاح أبي بجنون : -          يعنى اللى حسبته لقيته واللى افتكرته موسى طلع فرعون بتسرقني يا جلال ؟! -          انا ما سرقتش حد .. بس كمان ما ينفعش تاخد فلوس امى و ولاد بتاعت الشاى يبقى زيهم زيى بعد عمرًا طويل ضاق أبي بما سمعه من ولده الأصغر فقد خدع من أقرب الناس إليه الزوجة و الولد و حينئذ تقدم عبد المقصود من ولده السارق و صفعه على وجه بقوة منذ زمن, فلم يكن يأتي بخلد جلال أن أبيه لازال يمتلك نفس القوى التى كان يمتلكها عندما كان يؤدب أبنائه صغاراً والان شيوخَ متظاهرين بمظهر السارق الطامع خوفاً على والديه من مصير مظلم : -          انت يا كلب تسرقني .. بس العيب مش عليك العيب اللي دارت عني شقايا وعرقي عشان واحد زيك يشفطهم على الجاهز. قالها أبي ثم نظر لأمي بغضب عارم وأردف  : -         عمري ما هسامحك ولا هسامحه .. خليكي جنبه .. ثم نظر للسارق وأردف مجدداً : -          عيالك تبعت تاخدهم مش عايز اى حاجه من ريحتك خرج أبيه ناقماً عليه داعياً بوقده فور مولده, فشكره جلال جزيل الشكر ثم تحول بالنظر لأمه منتظر كلمة تنم على ندمها الشديد إلا إنها بخلت بها او بأى إحساس بالذنب . ماذا كان ليفعل غير ذلك يخبر أبيه أن امه أرادت قتله جزاء ممارسة حقًا من حقوقه المشروعة, و حينها يصطحبها أبيه لدمياط عنوة لتعاود محاولة قتله وقد تنجح فإنها هناوة ولا يستعصي عليها شيئا بالوجود . وإن لم تنجح قد تقتل نفسها بعد الإذلال الذي توعد به أبيه إن لم ترضخ و تسلم ثروتها له, يبدوا أن الحل الوحيد و الأمثل أن يكون ولداً عاق.  أطلق البراد صافرته منذ آجل ولم ينتبه إلا الان بينما أمه عادت لغرفة الصغيرة غير آبية لأي شيء بالوجود. تذكر جلال أن الصغيرة بالمطبخ وحيدة بين ذرات زجاجية لزجاجة سمٌ قاتل فسارع إليها وجدها ممدة أمام باب المطبخ فاقدة الوعى بعدما داهمتها نوبة سكري جديدة بعد أن رأت عراك أخر مدار أمامها, روحها البريئة لم تتحمل كل هذا السخط مجمع و متدفق, حملها جلال لغرفتها و وضعها بجانب جدتها التى بدى عليها التعاطف أخيراً. تبدى القلق بعيونها و تسأل عن ما أصاب الصغيرة بلهفة و توجس, لم يجيبها جلال في الحال, انشغل في مكالمة هاتفية اجراها للصرح الصيدلي الوحيد في التجمع الخامس,  و قد طلب من الطبيبة المسئولة أن ترسل أحداً من طرفها ليحقن الصغيرة بالانسولين,  و بعد أقل من مرور عشرة دقائق لم ترسل الطبيبة مساعدها فقد أتت بنفسها و حقنت الصغيرة بمحقنها الخاص بمرضى السكري و إنتظرت معها حتى أفاقت ثم نظرت له و قالت لائمة: -          انا مش قولت ماحدش يزعل نوننا يا جلال وقبل أن يجيب جلال بمبررات مقبولة صاحت الصغيرة :   -         قولي لمامي انا عايزه أمشي .. خليها تيجي تاخدني. إبتسمت الطبيبة بحنو للصغيرة وقالت : -          أخدك انا لحد ما ماما ترجع .. رأفت إشترى عجله جديده وعايز يفرجهالك .. يله بينا . قامت الصغيرة معها فإعترض جلال قائلاً : -          معلش خليها وقت تاني لم تعير الطبيبة لإلتماسي القبول, و توجهت لهنا تطلب منها تبديل ملابسها, و إعداد كتبها الدراسية للرحيل عن وجهي, و قد قبعت في صمتي أتابع لا أتبع, إنما نهاية تبعت الطبيبة لخارج غرفة الصغيرة لما ألحت الطبيبة بالإنفراد قليلاً لمباحثات لا تمل منها لصالح صديقتها الخائنة. خرج كلانا من غرفة الصغيرة, و أغلق بابها من خلفنا بواسطة الطبيبة للخصوصية عن أذن هنا ثم صرحت زوجة صديقي : -         أياً كان اللي حصل بينك وبين فدوى .. فدوى هتفضل أمها وهنا محتاجاها .. نحي كبريائك شويه تجاه بنتك الوحيدة لو عايز مصلحتها لم تكمل الطبيبة مرافعتها لصالح صديقاتها وجارتها بمصر الجديدة سابقاً والتجمع الخامس حالياً فقد خرجت الصغيرة على أتم إستعداد للرحيل عن وجه أبيها المعكر بالمآسي, فأردفت الطبيبة : -           هنكمل كلامنا بعدين .. هاشم عازمكوا على الغدا.. نفسنا نتعرف أكتر على الحاجه. أجبته بخجل : -          فرصة تانيه .. أجي أخد هنا إمتى ؟ -          انا هاخد هنا معايا المستشفى نعمل تشيك أب كلنا و بعدين هتبات معايا .. ما تشلش همها.    خرجت الصغيرة ناقمة على المصح العقلي الذي لا يصلح لطفولتها المنتهكة من أحداث مأساوية متلاحقة قد تسري مائة فيلم حزين. ودعتني صغيرتي إنما ليس عبر راحتها الملوحة كما المتعارف أنما عبر لسانها, تكيدني لإنتصار زوجة صديقي علي كما إنتصرت أمها و هزمتني هزيمة نكراء. هذه الصحاري كانت أخر الملاذ من مطاردات منير لطليقته فهو لم يستطع حتى الان أن يصدق إن إحداهن تركته لصالح موظف فقير . بعد الحادث الشنيع تركتُ ما لم يكن يوما ملكاً لي غارقة بدمائها وحملتُ ما أملكه و خرجت بها من الوكر الى سيارتي و منها لأقرب مشفى . الأطباء تهافتوا على صغيرتي واحد تلو الأخر, يتناوبون على حالتها إلى جاءني أكبرهم سنا و حدثني بنبرة متردية اتهامية : -          أنتوا عملتوا حادثه؟ .. او شافت حادثه ادامها من قريب؟ -         هى عندها إيه يا دكتور ؟ -         اللي قدرنا نشخصه لحد دلوقتي إنهيار عصبي أدى لارتفاع ضغط الدم والسكر في دمها بنسبه كبيره وفي إحتمال .. بس إن شاء الله ظننا ما يكنش في محاله .. إنها تبقى مريضة سكر مزمن. وصدقت الظنون, طالتها الكارثة بوصمة لا براء منها. يومان بجانبها بالمشفى تسألني عن أمها و عن الدماء التي نزحت عنها ولا أجد إجابة . لم أخطأ فقط لما تزوجت بفدوى, بل و أخطئت أيضا لما جلبت إبنتي لتتداوي بالمشفى العسكري الخاص بالطيارين العسكريين و قد تناقلت الأخبار و أتى زميلاي الأقرب مصطفى وهاشم سائلين عن الصغيرة برفقة زوجاتهم . أردت إخفاء ما حدث و لكن الصغيرة تصرخ بعودة أمها و الجميع يتسألون عنها شفقة على الصغيرة, فلم أجد بد من إذاعة أخر الأنباء؛ ذهبت فدوى ولن تعود و جزيل الشكر و العرفان لمحاولتهم لحل النزاع لعودتها و التي لم تعدلني عن قراري ولو لقيد أنملة.  أرسلتُ لحبي الأول والأخير صك فراقنا الأبدي او ما ظنته حينها, و إنتظرتُ منها باقي الرواية, إسدال الستار او رفعه عن خيانتها إلا أن ما حدث جاء معكوساً, زارها زوجها الأول ولم تتمسك به كطوق النجاة مرة أخرى, نهرته و طردته عن عتبات منزلها مستنكرة عطاياه من خطف لقتل لنفوذ تجعل ممن حاول قتلها خاضع لها, أربعة أيام و تماثلت فدوى الشفاء من رصاصة إخترقت طحالها أدت لإستأصاله و عادت للعمل بعيادتها لطب لأسنان, فطالما أولت عملها نصيب الأسد من إهتماماتها التي لم تشملني يوماً .  خلاصة القول لم تعود لمنير حتى بعد وعده إليها بتحقيق كل أحلامها.. تنتظر, فيما إنتظارها لن أعود ولن ترى إبنتها ما حيت.      هناوة بكت لما علمت ما أصاب الصغيرة, وهناوة لم تبكي لما تزوج زوجها بأخرى و تبكي الصغيرة قليلة الحظ مثل جدتها وتلح علي بالإبقاء على زوجتي من أجل هنا, و ليس ذلك فقط؛ تلح أيضا بعودة الصغيرة للبيت لتقوم على خدمتها هي. هناوة توقفت عن خدمة أى شخص منذ عقود و الان تريد السهر على راحة الصغيرة, لا تعلم إنها الان تنعم بعناية طبيبة صيدلية, الوحيدة القادرة على إعطاء الصغيرة حقنها دون بكاء, تستطيع إطعامها على النقيض مني, أصطحبها يومياً للمحال الذي تفضله للغداء و العشاء وبالنهاية أتناول وجبتي بينما الإبنة تحملق بطعامها ثم نعود للمنزل بوجبتها لتظل بالثلاجة حتى تتعفن منها للقمامة. ظلت الصغيرة بفيلا صديقي المكتملة الإنشاء الفاخرة لشهرين, لا أراها إلا عند عودتي من العمل و إصطحابها للنوم و حتى بيوم وجدت برسغها سوار, و لما سألها من أين أتت به قالت هامسة داخل جدار أذني: -         رأفت جابهولي .. بس ما تقولش لحد. بالطبع لم أخبر أحد بنائاً على نصح رأفت كما ألحت على الصغيرة, و لن تذهب لمنزل صديقي مرة أخرى, لأن صديقي لديه ولدين وفتاة. الفتاة رضيعة و الولدين الأصغر بالخامسة والاكبر بالثانية عشر؛ رأفت و الصغيرة جميلة حتى لو بالسابعة . لملمتُ جميع أجازتي المرضية و العرضية وقضيتها مع الصغيرة إلى جائت أمي للمكوث في بيتي و قامت برعاية راعت الصغيرة عني. عدتُ لعملي كما عادت أمي للإلحاح تريد عودة فدوى أو التزوج بأخرى لترعاني و إبنتي إنما أي أخرى قد تملأ ما أفرغته فدوى . القاهره 1981 .. أحداث متلاحقه هزت مصر منذ وطئت قدماي أرض القاهرة لأبدء دراستي العسكرية. بدايةً مقتل رئيس الجهمورية بطل الحرب السلام محمد أنور السادات ليتسلم القيادة نائبه قائد القوات الجوية المظفر بنصر أكتوبر المجيد محمد حسني مبارك . تخرج جلال عبد المقصود عبد الحي في الكلية الجوية كأول دفعة مكرر ليكون أفضل من عمه الذي شارك في حرب أكتوبر المجيدة ورأى النصر بعيونه من طائرته . كان علي العودة لدمياط حتى موعد إستلامي لعملي المؤقت يليه بضعة أشهره ترسلني لموعد سفري للبعثة الدراسية بالخارج, و لكن فضلت رفقتها و التى لم تكن رفقة على الاطلاق. لم أكن على شاكلة زملائي, شاغلهم الشاغل النساء و دروبهن و الطواف من حولهن لأني إعكتفتُ على دراستي إلى أن ظفرت بأقاصي ما طمحت و لم يتبقى غيرها.  شتائها مضى شفافاً وأحياناً مشمساً لم يتمثل به ضبابا بل تجلى البرق وأضاء زواياى الخاوية المعتمة. كل كلمات الحب رثة أمام بهائها فلغة الضاد العتيقة ليست لمن بجديدها. سكنني ما يسموه البعض بالسعادة لمجرد إنها ساكنة الجوار, فالسعادة كلمة وجدت صداها بين أخوة متحابين, عشيرة طيبة إنما لم أتصور أبداً أن تكون برؤياها ولو صدفة. هذه العيون المتفجرة بالعنفوان الفتي مارست ألعابها النارية داخل جسدي موقنة بإنها وفقت لما إحتلت بألعابها تحصيناتي المنيعة, تغمز لي, تسخر مني ثم تودعني بالراحة المخملية واعدة إياي بالمزيد من الألعاب و إلا العذاب.  أجمل الأيام بين شعر و زجل و وجه حسن حتى إقترب موعد الفراق ولن يحدث, سوف تحط أينما حطتُ, طلبتُ خطبتها من والدتها الطبيبة التى لم تبدوا رحابة بالخطبة لصغر سننا و أسباباً شتى إنما لم يتملكني يأس. خرجت من بيتها الي قريتي أزف الى والديه نيتي للزواج إنما تجاهل أبي كل ما سمعه و قال : -         عروستك مستنياك, بنت ناس كويسين وعارفنها بنت اللواء خيرى عواد .. عمها وكيل وزارة .. خلصت تعليمها وهتكون فاضيالك.  -         الله يسهلها, انا عايز اتجوز فدوى .. انا خلاص اتفقت معاها و مع والدتها. -         و اتفقتوا فين ؟ -         روحتلهم شقتهم   -         ومين قعد معاك غير الولايا ؟  وانا لو وافقت هحط ايدى فى ايد مين وانا متوضى  ؟ الفكر القديم الذى مات ودفن وتقبل به الجميع العزاء, المطلقة طليقة لكل فعل سيئ وبالتالى إبنتها مثلها فقلتُ مدافعاً : -          يا بابا دول ناس محترمين وعمى عارفهم و بيشكر فيهم, دول من عيله كبيره اوى. -          وما حددش من العيله الكبيره أستقبلك ليه .. الاسبوع الجاى هنسافر معاك كلنا نخطبلك بنت اللواء خيرى و يتم الجواز قبل السفر .. الجواز مش لعبه يا جلال خد اللى تقف جنبك وتربيلك عيالك .. تمشى على دماغك لكن الدكتوره هى اللي هتمشيط هى وأمها يا حضرة الظابط  و اوعى تقول انك حمش وهتقدر عليها .. مش باين .. انت هتموت عليها من دلوقتى ما بالك لما تكون تحت فخدك. كانت محاضرة طرد حبي الأول و الأخير من قلبي طويلة, ممتدة, جمعت كل أخوتي لمساندة أبينا برأيه و ساد رأى الأب كالعادة, إبن العائلات الكريمة ليس عليه التزوج من قاهرية فاقدة القيم فممن أخذت القيم, عاشت حياتها دون أب يوجهها او يحميها ويحمي أمها, بأي حال أين تعرَّف على هذه الفتاة, بالشارع بالطبع و دخل بيتها الذي لا يحوي رجال لإستقابله وكم من رجل دخل قبله و بعده و العديد من الحقائق التي تصارعت بداخلي حتى تمكن حبها من قلبي و خبوت عواصف التقاليد البالية.  كنت أعلم أن فدوى إنقلاب على كل الأعراف وحسبتُ إنني تهيئتُ له بشتى الأسلحة والإثباتات والبراهين إنما نهاية علمتُ أن حربي ضد الأعراف أقصر حرب من حروب التاريخ, حتى أنها أقصر من حرب إنجلترى وزنجبار التي إستمرت لمدة ثمانية وثلاثون دقيقة . بالطبع كنت هو زنجبار أو الأدق تعليقاً خالد بن برغش إبن عم السلطان حمد بن ثويني البوسعيدي حاكم زنجبار الموالي للسياسة البريطانية المهيمنة ثم توفاه الله و إستولى إبن عمه على عرشه كما بدلتُ أعرافي و أحببتُ . منذ قلتها رءاني الجميع متمرداً وأعلنوا الحرب علي إنما تباسلتُ و شكلتُ جيشاً من الأحاسيس و المشاعر كما شكل حاكم زنجبار جيشاً قوامه من ألفين و خمسمأئة رجل مقابل ثلاث سفن حربية كبيرة وسفيتين صغيرتين و مائة و خمسون بحاراً من البحرية, إضافةً الى تسعة مائة من الزنجبارين, كانوا أخوتي الملتزمين بعادات العائلة خاصة عند الزواج و قد إلتزموا الجانب البريطاني أو العائلي من ناحيتي. أعراف العائلة قذفت تحصيناتي بنصف ساعة من معلقات نثرية كانت كالرماح المسمومة شقت جسدي بحثاً عن  القواعد الاصولية و العادات و التقاليد حتى أسقطتني و إمتثلت للقوى العظمي, قوى العائلة.   سيقتُ لمنزل العروس المنتظرة برفقة العائلة, أبا العروس لم يمنح أبي الفرصة لمديح ولده الأصغر و تبنى هو المديح والثناء, كنتُ تلميذه النجيب ذو المستقبل المبهر إبن العائلات المحافظة الكريمة, حتى أن أبا العروس سهى عن مديح إبنته المسكينة التى لم تفارق عيونها حذائها البنس, كانت العروس النقيض لحبيتي بكل شيء, قصيرة ممتلئة, ذوقها بملابسها هادئ حتى الخمول, تكاد لا تظهر من ملابسها الكاكية, ذات بشرة ترفض البوح بماهيتها سمراء, قمحاويه, بيضاء و بالنهاية لم أستطع التأكد حينها فلم أميز شيئ إلا أنفها الطويل. أسرع زيجة كان هذا رأى أبي فقد تمت بأقل من شهر و سافرتُ بنهاية الشهر الذي تلاه. لم تتغير الحياة قبل الحياة لأن فدوى هى الحياة, و الان الحياة للدراسة وليس ثمة شيء إلا الدراسة. عدتُ لحلمي الأول, التفوق ليتحقق حلم لا دخل للتقاليد به ولا يحتاج إلا لمجهودي وإن كان مضنياً. ذهاب وعودة لأربع سنوات و حتى العودة النهائية لزوجتي و ولداي .  لما سمعت من الزوجة ببادئ الامر نبأ حبلها الأول أو الثاني لم أسعد و أظنني لم أغضب ولكن أتاني شعور أخر يشبه السعادة لما رأيتُ الولدان يكبران نصب عيناي, جزء مني يأكل و يشرب و ينام و يكبر ليصير يشبهنني أكثر فأكثر.  زوجتي كانت هادئة, بسيطة بكل شيئ جمال ثقافة و أحيانًا رجاحة عقل تبدوا كطفلة بجسد إمرأة ناضجة لم تشاركني غير الطعام و السرير أحياناً حيث كرست حياتها لولداها وتركتني لحياته المتهدمة حتى قبل أن تبدأ. طعامها كان أفضل من طهو حبيبتي, كانت ترسله لي سراً بالأيام السعيدة, طعامها مروع أمام ما تعده زوجته فقد تخرجت في معهد فني لم أسمع عنه قبلاً يدعى معهد التربية الحديثة إتضح أن تعاليمه تقتصر على إعداد المأكولات وإدارة شئون المنزل والحياكة . صبت زوجتي إهتمامها على ولداها و كان ذلك أفضل ما فعلته, تركتني لدراستي وعملي وزيارتي الأسبوعية لعمي.  تجمعت الأتربة على الباب الذي شهد ولادة حبي و ضياعه, إنما لم أنقم على فدوى يوماً ودعوت لها من الله السعادة بينما جاء الدعاء معكوساً, سقطت بالبلطجي ضاربة عرض الحائط بنصحه وأكملت الزيجة فعدتُ للدعاء لأنها تستحق كل الخير بالعالم, ماذا كانت لتفعل أي إمرأة بموضعها, البلطجي أفضل أسوء ما عرض عليها وقبلت به . اليوم عمي حزين شارد و لما سألته فيمَ الشرود قاوم كثيراً حتى أباح, يشعر بالذنب تجاه إبنة جارته المتوفاة لأنه ساقها بيده للبلطجي, ليذيقها الأمريين إلى أن إنتهي بها المطاف مرة أخرى بشقة والدتها بلا عائل او عمل وترفض أيضا مساعدته, الزوج تركها لشهور عدة و لم يكتثر للسؤال عليها رغم معرفته المؤكدة بإنها لا تملك إلا نفسها المثقلة بالأوجاع  ومهنة تحتاج لخبرة حتى تزاولها وقد تكون تتضهور جوعاً من الان . رغم أن الاخبار تبدوا مأساوية إلا أنني إبتهجتُ رغماً عني ولا أعرف لِمَ, فمازالت زوجة لمنير و لدي أن الأخر زوجة و بنين, إلا أن قربها أنزل بقلبي راحة ضلت عني للسنوات,  ما يفصلنا الان حائط سوف أحطمه فأذنتُ اليوم مبكراً بعض الشيء من الزيارة الاسبوعية لأقف أمام الباب المغبر لنصف ساعة أستجمع شجاعتي و لا أجد منها ما يدفعني لهدم حوائط و لا طرق أبواب. طرقتُ الباب متسائلاً هل سوف تقابلني بغزل المتنبي أم هجاء الفرذدق, بينما أكتفتْ فدوى بالنظرة الملومة و قد كانت أبلغ الكلمات. فتحت الباب .. لم تتحدث .. فقط تحدجني بتعجب, ترى هل تبدلتُ الى هذا الحد, هى الأخرى تبدلت إنما للأبهى والاجمل . -          إزيِك يا فدوى -          إنت السبب  يتبع ..

editor-pick
Dreame-Editor's pick

bc

دواركا

read
1K
bc

ساحرة الظلام

read
2.5K
bc

البارمينوس|| BARMENOS

read
1K
bc

Dark Magic 2

read
1K
bc

Lazord

read
1K
bc

رفيقة الهجين The Hybrid's Mate

read
1.0K
bc

بئر الحيات

read
1K

Scan code to download app

download_iosApp Store
google icon
Google Play
Facebook