الفصل الحادي عشر

3242 Words
أرجوكم لا تحقدوا على القطة فهي قطة بأي حال, فقد علمت إنها مريضة بعلة بدماغها ومن السهل إستغلالها خاصة لو كان المستغل أمها . عالم البشر علمني حتى قبل أن أعلم أن نيوتن أيقن قبلي ما أيقنت أن لكل فعل رد فعل وهذا ما حدث تماماً . أرادت أم القطة قتل فدوى فماتت إبنتها بالمقابل . المقدمات النسائية البشرية المعتادة .. حقد .. إمرأة .. مشعوذ .. شرور. حقدت أم القطة على فدوى لما سرقت زوج إبنتها الحنون  فلتلك المرأة فتاة أخرى ولكن زواجها متقلقل وزوجها يضربها مثل البعير على عكس ماما بوسي بالطبع التي كانت تعيش في سعادة مع الرجل النقي حتى وافتها المنية .. خشت أم القطة أن تواجه إبنتها نفس المصير لما ينتقل حب جلال من زوجته الأولى للثانية فهي جميلة للغاية للحق وطبيبة وتستطيع التحدث على عكس بوسي الصموتة على الدوام, و لذلك ألحت على إبنتها بسرقة شيء من مقتنيات فدوى مبخر بعرقها وحدث ما حدث وأمست فدوى ترى ما ترى هنا بالكثير من الأحيان كما أن هذا العمل السفلي مكَّن الجنية الزرقاء من تلبس فدوى لبعض الوقت حتى يتثنى لها إخافة هنا من أمها وبالتالي تهرب من الأم للعالم السفلي طواعياً فدماء هنا ملكية لا تجبر على فعل . عودة للعمل السفلي وكفى نحاب على حظوظ هنا, لما تعفن العمل ببطن الميت مع أمعائه تزايدت فعالية العمل السفلي وإتجه للقتل المؤلم البطيء ففدوى تشكوا بداء الشقيقة ليل نهار والمسكنات لم تعد تفلح معها, تصيبها كذلك حساسية جلدية شديدة تجعلها تقشر بشرتها عن لحمها بأظافرها وبمرة نوبة الإكزيما جعلتها تحك بشرة ذراعيها بسكين حاد وكاد أن يقتلها نزف الدماء. أما عن الشق الثاني من قانون نيوتن الثالث ألحت أم بوسي كذلك على إبنتها بأن تحظى بوليد جديد ويا حبذا لو كان فتاة علها تلقى من حظوظ هنا نصيب ويحبها أبيها كما يحب هنا وإمتثلت بوسي وحملت مرة أخرى رغم تحذيرات الأطباء لها وعند ولادتها ماتت برفقة وليدها والذي كان ذكر رابع فالثالث وضعته سيسكا ومن حينها جنت المرأة, فقدت عقلها لما فقدت إبنتها ؛ أنهم البشر لا تتعجبون. إختفيت كما أراد الرجل الوفى فقد أوفى بوعده, بكل شهر أجد بثلاجته كيس من الدماء ومبلغ من النقود أحملهما وأمضي لحياة البشر وتركت هنا لباقي الأطياف التي أمست تجذبهم بلا أسباب أم لأنها حمقاء وتخبرهم إنها في وسعها رؤيتهم ومساعدتهم ليذهبوا للنور بينما أنا أتجاهلهم فليس لدي وقت لأضيعه على مساعدة أحد فحياتي الجديدة مدهشة. عند النهار أتبدى للعيان وأتبختر بملابس الأميرات وعند الليل أتوارى وهكذا دواليك . بعد سنوات علمت إني أحمل قلبي بشري في وسعه الاشتياق فقد إشتقت لأختي خاصة لما توفقت عن سلب دماء الرجل النقي وتزودت بالدماء من كافة البشر الآثامين فرؤية هنا تثقل كاهلي. كانت تنتظرني بجانب الثلاجة  وتولوح لي في عيونها دموع الإشتياق ولكن أتجاهلها وأذهب لحياتي فهي كذلك لها حياة كنت أنا فراغها . مرضت أختي مرض عسير لم أفهم معناه فقد وجد الأطباء بدمائها سكر لطالما كانت خبيثة ترى كيف أدرجت السكر بدمائها. مرضها الجديد كان فرصة جديدة لآفاق جديدة فهي تنغز بالحقن ليل نهار وبالطبع يتنثى لي الحصول على بعض القطرات من دمائها النازحة عن موضع الحقن وليس ذلك فحسب فدمائها بدلت طبيعتها عند البلوغ ونلت بلوغي كذلك ولم أعد كيان بجسد طفلة بالخامسة ورأس حية هرمة كما تلقبني هنا وصرت شابة جميلة مثل أختي . لم تعد تراني أم تدعي إنها لا تراني خاصة لما إمتلأ البيت الجديد بساكنيه, أخويها وجدتها وأبيها وأمها دائماً من حولها. أهاً من قلوب البشر المعوجة فقد شعرت كذلك بالغيرة فأنا أراها تحدث كيانات أخرى وتنكر وجودي وحينها صحت بها: -   إنت شايفاني ؟ أومأت بالموافقة فأردفت : -   اومال مش بتكلمني ليه ؟ همست لي : -   لو عرفوا إني  بكلمك هيمسحوا دماغي -   إزاي .. هيقصوا شعرك ؟ تضحك ثم تقول : -   هيفتحوا دماغي ويكهربوا خلايا معينه فيها .. وساعتها مش هقدر اشوفك تاني .. أجلس على طرف سريرها وأقول : -   انت لسه عايزه تشوفيني ؟ جلست بجانبي وأمسكت أطراف أصابعي كالأيام الخوالي وقالت : -   ايوه .. انتي وحشتيني اوي أصل بطلت اشوفك .. انتي بستخبي عني إزاي ؟ دماء البلوغ الجديدة حجبت أفكار كلاً مننا عن الأخرى ولكن لم أصارحها بذلك وقلت مراوغة : -   أصل .. أصل .. انا علمت كده عشان ماخدش دم من باباكي -   بتقتلي ناس ؟ -   ايوه -    ناس وحشين مش كده ؟ -   أه طبعا -   بس الجرايم اللي بتحصل دلوقتي وبشوفها في الجرايد مش  لناس وحشين .. مش لناس أصلا .. دول أطفال   -   دم الاطفال نقي مفعوله بيدوم أكتر .. زي دمك وضعت كفها على فمها من هول ما سمعته مني, تغمض عيناها في ألم ثم تفتحها على عيوني يملؤها الغضب وأنا أخشى غضبها ولكن قالت مطمئنة : -   بلاش تقتلي أطفال تاني ولا غيرهم . . و انا هديكي الدم اللي انتي عايزاه .. Deal ؟ -   ما هم كده كده هيموتوا .. دول عيانين وبيناموا في الشارع -   إسمعي الكلام عشان مازعلش منك -   ما عتديش بتخوفيني تحدق بالأرض لحظات ثم تعود إلي من جديد تتمتم بالاتينية القديمة كلمات لا أفهمها ولكن أستشعر الشر منها. تقلص الفراغ من الحولي لتقلصني وعندما أصل لحجم كف يدها تحملني وتضعني بشكمجية جدتها لشئون سجن الجان فأقول مستسلمة من داخل العلبة الخشبية بعد إغلاقها علي : -   deal يا هنا نلت درسي القاسي من هنا وعلمت أن توسلاتي لها لم تعد تفلح كما كانت بالسابق فقد تركتني داخل الشكمجية بخزانتها للصباح التالي, لعودتها من المدرسة, لغدائها مع أسرتها بالبيت الجديد, لعودتها لغرفتها وتلصصها على كريم من البلكون, يبدوا إنها سهت عني. تذكرتني بالمساء بعدما نامت عائلتها وحينها أخرجتني من العلبة وقالت : -    أنا بحبك -    بقيتي تعرفي تستخدمي قوتك كاملة .. الحارس هو اللي علمك مش كده ؟ -   هتسمعي الكلام ؟ -   وبتستهبلي كمان -   إسمعي احنا كل اللي عملناه هيترد لنا وانا إبتديت أخد جزائي .. انا بعمل كده عشانك .. انا عندي ليكي حل نهائي للإنتي فيه هخليكي بني أدمه طبيعية و الناس تشوفك -   حل إيه ؟ -   انا عرفت مين أبوكي و عارفه شكله و إسمه كامل .. كل المطلوب رماد الجنية ينزل للأرض السفلية و يتقدم للملك ولازم يعفي عنك و عن أبوكي . بماذا أجيبها رماد الجنية سكن وجهها وإن إلتفت لحلها اللوذعي لابد من إصحابها معي للملكة السفلية فتنال العرش وأنال خيبات الأمل فقاطعتها -    انتي هبلة يا هنا محدش يعرف طريق البوابة غير الجنية الزرقا -   دوري عليها -   ادور عليها فين ما حرقتها خلاص قالت بغضب: -   ليه عملتي كده يا غبية  ؟ -   كنت مخنوقة شوية وعلى الفكرة الواد الاهبل اللي قاعد معانا في الاوضة ده ميت مش حي و اللي قتله ابوه -   علي مات ؟! -   هو انتي بتشوفي غير الأموات و انا ؟! -   انا إفتكرته جن -   لا قرين بس أهبل -   ما تعرفيش عايز إيه ؟ -   عايز يتدفن جنب أخوه .. مدفون في جبل لبنان تحت شجرة, الكلاب نبشته و بتاكل في لحمه -   لبنان !!! طب وانا هروح لبنان إزاي -   ما تشتري دماغك يا هنا -   انتي بقيتي لوكال أوي .. قوليلي انتي بتروحي ديسكوا وبتخرجي و لا بتقتلي بس ؟ -   بروح كل مكان أنا عايزاه قالت بشجن : -   حببيتي ؟ -   ايوه بحبك -   لا حبيتي ولد -   حب زي بتاع الافلام يعني ؟ تومئ بالموافقة فأدرف ببرودة لأن الحب لا يعنيني : -   لاء .. وانتي وكريم هتجوزوا إمتي ؟ -   أنا مش هتجوز حد خالص .. انا ههرب من البيت تاخديني معاكي ؟ -   فين ؟ -   انتي مش عايشة في بيت خديني معاكي انا عايزه امشي من هنا -   وهتسيبي باباكي وماماتك ؟ -   أه .. أصل هما زهقوا مني اصلا .. بقيت بعملهم مشاكل كتير ولما أمشي  المشاكل دي هتتحل كانت تلك فرصة عمري ولابد من إستغلالها, دوائي من كل داء يطلب الهرب معي, متطلبة ومدللة أعرف إنما  أي شيء قد تطلبه لا يقارن بلحظة من التمثل أمام العيان . وقبل أن تعدل عن رأيها أو تتجابن كما إعتدت منها ضمنتها بين ذراعي كما الأيام الخوالي وتلاشيت بها حتى مقري الدائم فقد كنت كثيرة الترحال بالأعوام السابقة حتى هذا المقر . بناء كبير بمنطقة نائية خالية من أي سكان صممته بأفكاري المدهشة فيلا كما تقول هنا وتقول كذلك : -   اومال فين العفش والحيطة مش مدهونة ليه ؟ -   وهنعمل ايه بالفرش والحيطان المدهونه ؟ تستسلم لأفكاري الديكورية البوهيمية وتعود للدلال : -   انا عايزة سرير انام عليه -   حاضر -   و اوضة ليا لوحدي -   حاضر -   زي بتاعتي اللي عند بابي -   حاضر تحملت أي شيء وكل شيء إنما الشيء الوحيد الذي لا يطاق ثرثرتها ونحابها عندما تبرر لي أسباب هربها من منزل أبيها وكأني أهتم أو كأنني لا أعرف الأسباب فأخويها يكرهاها والأصغر يضربها و الأكبر يتجاهلها تماماً, أمها وأبيها لا يتوفقا ثانية عن الشجار لأتفه الأسباب إنما السبب الأصلي كان غيرة أبيها على أمها من ساكن الجوار؛ زوجها الأول. أخبرتني كذلك كيف تذوّب السكر بدمائها وكان السبب عجيب للغاية ؛ الرجل النقي أطلق الرصاص على أمها وحينها فزعت هنا من رؤية الدماء تنزح عن جرح أمها وظنت إنها فقدتها للأبد ولكن كتبت لها النجاة .    لم أفهم ما المفزع في رؤية الدماء فقد رأيناها سوياً من قبل وعن طريقها رسمنا سوياً أجمل اللوحات السيريالية بأشلاء البشر ونلنا مرح لم نلقى مثيله إلا الان ؛ عندما تجمعنا من جديد ببيت واحد كأخوتين حقيقيتين. بداية جديدة, مفعمة بالحيوية, أختين جميلتين بلا أية منغصات. حياتنا التزين والنميمة وتناول الشيكولاتة الساخنة بقطع المارشميلو بالسرير الكبير الذي جلبته لها خصيصاً. عذراً ليس في وسعي تناول طعام أو شراب مثل البشر ولو تجسدت بجسد بشري فكل ما أضعه بحلقي يتحول لرماد بلا طعم فأنا لا أملك حاسة التذوق. أملك باقي الحواس الأربع وأهمهم القص لأرفّه عن أختي و أقص عليها رحالي الأخيرة دونها, بينما هي تحكي لي عن كريم, ناقمة عليه لأنه أمسى يتجاهلها بعدما نمت بينه وبين أخيها الأكبر صداقة وتظن أن أخيها من أقنعه بالتنحي عن حبها, أمست تكره أبيها وأخويها وتريد أن تُخلِّص أمها من بؤسها لما تذهب عنها أغرب إبنة بالعالم عن الإطلاق؛ ترى الأطياف وتمزق شرايينها بصفة دورية. بهذه اللحظة وافاني إحساس جديد غير مسبوق, لم أستطع ترجمته. قسماتي ليست معتدلة مقلوبة كما يقولون, نعم تذكرت عابسة وعابسة لأني حزينة مما ألت إليه حياتها بدوني فقد كنت حمايتها . نعم لا حول لي ولا قوة ولكن كنت على الأقل أستمع لشكاواها بصفة مستمرة إنما هي الان وحيدة . ليس لها أصدقاء بمدرستها أو بالحي الجديد الذي إنقلت إليه, يكرهوها بلا سبب كما تردد ولكني أعلم الأسباب وليس السبب. هنا أمست بالأونة الأخيرة عنيفة للغاية تقابل العالم بقبضتها ترفض أن تُرى ضعيفة من قبل أحد خاصة بعد مرضها المزمن . تبغض نظرات الشفقة بعيون زملائها لما تضرب الحقن بفخذها قبل تناول وجبتها بالمدرسة وإمتنعت عن مشاركتهم اللعب أو الحلقات الدراسية فأختي متفوقة للغاية وليست في حاجة لأحد. من تبعات غضبها الأخير الغير مفسر؛ زميل لها بالمدرسة أجنبي المنشأ تقدم من الطاولة الجالسة عليها بمقصف المدرسة عند وقت الغداء وجلس بجانبها ثم قال متبحثاً : -   بماذا تحقني نفسك ؟ -   This is not your business, you fucking douche bag حسب ترجمة معامل أنيس عبيد أخبرت هنا الفتي أن ذلك ليس من شأنه اللعين ثم لقبته بأنه وغد لعين , و بالطبع جن جنون الفتى ونهض عن طاولتها وقال بعصبية مهدداً: -   سوف أخبر المشرفة نهضت بدورها وقالت له : -   أضف لتقريرك ما سوف يحدث الان أيها الواشي ياليتكم رأيتم ما حدث فقد أضحكني لشهور, ركلته ببطنه بقدمها فسقط بكامل وزنه على ظهره مسطحاً أرضاً وكأنه برص مقلوب, لم تكتفي هنا وحملت صنية الطعام البلاستيكية وأنزلتها على رأسه مراراً  وتكرار حتى دمائه التي نزحت عن رأسه لم تشفع له, لم ينقذه منها إلا أمن المدرسة بصحبة المشرفة والتي صاحت بهنا بالتوقف فتوقفت بعيونها النصر على أحمق تدخل فيما لا يعنيه فنال ما يرضي هنا. أنظر لأختي بفخر .. بحنان و أقول بصدق لا أمنحه كثيراً أو قليلاً: -   انا بحبك يا هنا خليكي معايا تضع رأسها المثقل على صدري وتقول : -   وأنا كمان بحبك أترك هذا العزاء الذي شيع به عائلتها ومدرستها وأسحبها من يديها لأمنحها بعض المرح . أخرج بها من غرفتها وأتمشى بها حتى غرفتي وخزانتي, لا أملك سرير لأني لا أنام ولكن أضطجع بجانب هنا حتى تذهب في النوم وتحظي بأحلام سعيدة من نسج خيالي, أعلم إنها تطمح للسفر بالخارج والتزوج من كريم فأقيم لها عرساً على سطح الإمباير إستات بنيويورك يجمع كامل عائلتها بلا منغصات فهي تحبهم رغم أي شيء . أسرق لها أخر فستان زفاف أعجبها بالمجلة ذو الأوراق المصقولة التي جلبتها لها لتتسلى بشيء بخلاف كتبها الدراسية المملة, أختطف من أجلها جاسين إستاسم وأرغمه على الغناء بحفل زفافها وإلا إعتصرت دمائه فيمتثل بعد عناء فهو ممثل حركة شهير وليس مطرب ولكنها تحبه. تغضب مني لما تعرف أن أحلامها من نسج خيالي وتقول : -   ما تعمليش كده تاني -   ليه انتي كنتي مبسوطة ؟ -   اصل كنت فاكرها رؤيا مش حلم .. بس اللي زيي هيشوف رؤيا ليه اصلا ولا حتي يفرحوا .. انا قتلت -   قتلتي مين ؟ -   اللي قتلناهم سوا إنتي نسيتي؟! -   كانوا يستحقوا -   مش احنا اللي نحكم في قانون في ربنا أمتثل لأرائها الجديدة بزيف وأكمل سحبها حتى غرفتي وأعرض عليها حصادي من ملابس الأميرات وحينها تجحظ عيناها وتقول مشدوهة  : -   كل الفساتين دي بتاعتك ؟ -   بتاعتنا .. جربي أي واحد يعجبك .. جربيهم كلهم -   بجد ؟ -   بجد ليلة فتيات طويلة أخرى مشوقة, إرتدينا بها أفخر الثياب وإدعينا إننا سائحتين ألمانيتين نزور أمريكا للمرة الأولى, نشرب الشاي بالفناجين الفخارية بإستقراطية, نأكل الكعك بالشوكة ويتساقط الفتات على الفستانين الفاخرة ولا نفزع من صياح أمهات مهووسات بالنظافة. حياة حلمنا بها منذ إلتقينا وحظينا بها الان؛ أخيراً. تسأل العديد من الأسئلة مثل نساء الأرض ولا تكتفي بكلمة فلابد من شرحاً مستفيض وكذبات لا أخر لها تقرأ ضعف صدقها بعيناي. من أين لي بالنقود التي إشترت الملابس الجميلة والبيت وسريرها وطعامها؟ -   من الفلوس اللي باباكي كان بيدهالي تومئ بتفهم إنما لا يبدوا على وجهها إستيعاب وتعرف وأنا أعرف وننعم بحياتنا الجديدة . كل ما حصلت عليه حصلت عليه عن طريق السرقة. أدخل المحلات ليلاً بعد إغلاقها وأنتقي ما أريد وأخرج بسلام, العقار كان خالي من أهله فأمسيت أهله, سريرها, مأكولاتها, حاسبها النقال نفس الشيء فلن يتضر الكون من سرقة قالب من شيكولاتة أو فستان إنما ما تضرر بقسوة بشرة رسخيها؛ مخططان بجراح رفيعة صنعت بتأني وتروي شديدين فالخطوط كتابات معقدة لا أفقه لها معاني قد تكون أسحار إنما هنا لا تؤمن بإسحار. ترى ما المقصود بتلك الكتابات؟ تنظر لجراحها براحة ثم تنظر لي وتقول : -   تواريخ  أهم أيام في حياتي ألامس جراحها الخشنة المتجلطة بأصبعي وأقول : -   تواريخ إيه ؟ -   تاريخ ميلادك وموت ماما بوسي  واليوم اللي مامي إتضربت فيه بالنار -   وليه تكتبيهم على دراعك إكتبيهم على ورق ؟ -   كده برتاح    وها قد جنت أختي وعلي أن أبحث بالكتب إن كان الجنون مرض يؤدي للموت أم الهلوسات فقط وتمزيق الجسد للحصول على الراحة التي تدعيها. لا أريد لها الموت فهي ونيسي الوحيد بالحياة ودمائها خلاصي, هي من تبحث بالكتب عن حلاً جذري يجعلني بشرية على أرض البشر, هي من جلست بمكتبة جدها الكبيرة المليئة بالمجلدات الضخمة  وأمهات الكتب لما كانت بالسابعة من عمرها لشهراً كامل حتى علمت أن الكتب ذكرت كل شيء عن كل حياة إلا حياتي البائسة ولكنها لم تيأس كما يأست ولازال بحثها مستمر . كيف لا أحبها ولم يكن لي مخلوق يهتم بي كما إهتمت بي, أبي لا يعرف بوجودي, أماي كنت لهما وسيلة لا أكثر حتى ملك ملوك الأراضي السفلية رماد إبنته شكلني وكذلك لا يأبى لوجودي. أختي؛ تمنيت خطها على ذراعي كما خطت ذكرى مولدي على ذراعها ولكن ليس لي جسد أخطه من أجلها.    أختي المدللة تنحف يوماً بعد يوم رغم إنني ألبي كافة متطلباتها . لا تأكل إلا الحلوى ورغم ذلك يبدوا عليها المرض, مصفرة الوجه مشيتها لم تعد مستوية كأن عظامها تأن بالألم وتنوء بحملها. تتملل من جلسة بيتي وتتحرك في أرجائه ليل نهار باحثة عن أسرار أخفيها عنها وتلك سابقة لن تقبل بها فنحن أختين وصديقتين نحمي كلاً منا الأخرى من حماقة طننت أن لا سبيل لغفرانها ولكنها سوف تغفر لو عرفت مني الحقائق . وكيف أصارحها بفعلتي والتي مستمرة في فعيلها؟ سوف تجزع وتذهب عني بعد جنوحها الأخير, بدل الرجل النقي مبادئها القوية لمبادئه الخانعة. ضعيف ويريد الجميع ضعفاء جبناء مثله ينتظرون النجدة من السماء . فعلت ما فعلت بعدما قرأت علي كتاب  FREAKONOMICS أي الإقتصاد العجيب  في هذا الكتاب رأيت العديد من الأفكار التي تدحض كل أراء الرجل النقي. أين ذهب المجرمون ؛ كان هذا إسم الفصل الرابع بالكتاب ويشرح أن بالتسعينات إنخفض معدل الجرائم بشدة لأن قبل عشرون تمت أكثر عشرون مليون حالة إجهاض لرومانيات في زمن رئيس رومانيا السابق نيكولاي شاوشيسكو, كان طاغية وتصف فترة رئاسته الأقسى بين الحكومات الإستالينية في الكتلة السوفيتية. وضع ضوابط على حرية الكلام ووسائل الإعلام والتي كانت صارمة جداً حتى بمعايير الإتحاد السوفييتي، لم يبدي أي تسامح مع المعارضة الداخلية وكانت الشرطة السرية وأسمها سيكوريتاتي، إحدى أعنف وأقسى قوات الشرطة السرية في العالم. وفي عام 1982، أمر تشاوتشيسكو بتصدير الكثير من الإنتاج الزراعي والصناعي للبلاد، وذلك بهدف دفع الدين الخارجي الكبير. وأدى ذلك النقص الشديد الناتج في الغذاء والوقود والطاقة والأدوية وغيرها من الضروريات الأساسية للحياة إلى إنخفاض مستويات المعيشة بشكل حاد مما جعل الأمهات من يعشن تحت مستويات الفقر يلجأن للأجهاض لأن ما تحمله ليس إلا عبأ جديد على كاهلها وإن كتب له النجاة لعاش منبوذ  مهمل حتى من أقرب الناس إليه وهذه هي العوامل الأهم في صناعة المجرم وبالتالي بعد عشرون عام أي بالتسعينات إنخفضت معدلات الجريمة لأن المجرمون أعدموا قبل مولدهم. -   إنت بتحكيلي الكلام ده ليه ؟! أجيب أختي مراوغة : -   بفكرك بالكتاب .. فاكراه؟ -   طبعا فاكراه .. بابي حرقه -   ليه ؟ -   بيقول وقع منه على البوتجاز وهو بيعمل شاي نضحك للحادث المزيف والكذب الملفق فالرجل النقي ليس من طباعه الخداع لذلك كذباته غير منقمة وإن إستلزم الأمر كذبة يجد الفكاهي منه. تقول وعيونها بعيوني لتحري الحقائق : -   انا مستحيل أقتل طفل وإنتي كمان مش كده ؟ أو على الأقل مش هتعملي كده تاني حتى لو كانوا أولاد منبوذين ؟ -   طبعاً قلتها مع إبتسامة عريضة مفعمة بالثقة. إفتقدت مدرستها وزملائها وبالطبع عائلتها ولكن لم تفكر في العودة قط وذلك أسعدني. تسألني أين أذهب وأتركها وتتعجب من الصراخ القادم من قبو منزلي فأجيبها : -   الصوت مش جاي من القبو .. جاي من فيلا ورانا -   إنتي متأكده ؟ -   طبعا -   طيب ما نروح نشوف فيه إيه .. يمكن يكون حد بيتعذب ننقذه ؟ أقترب منها وأربت على كتفها بحنو وقلت مذكرة : -   إفتكري لما بنت ملك ملوك الجان فكرت تعمل زي ما انتي عايزه تعملي حصلها إيه .. مالناش دعوة. وحينها بدى عليها إستجابة لوعظي إلا إنها كانت تخدعني لتهدم عالمي بدونها وأضطر لبنائه من جديد بأرضاً أخرى بعيداً عن قواها اللعينة. رضوخها الدائم لي جعلني أخرج وأترك البيت في عهدتها بلا خوف وعند عودتي لم أجدها بالفيلا ولكن وجدتها بالقبو وسط الدلاء المملوئة بالدماء. تلامس الجنازير الدامية المثبتة بالسقف والتي أعلق بها ضحاياي من أرجلهم ثم أضع أسفل رؤسهم دلاء تجمع ما ينزح منهم من الدماء بعد نحر أعناقهم. جاثية الان أرضاً تلامس الدماء التي غطت أرض القبو .. عيونها ترف بسرعة جنونية فهي توافيها رؤية عن ماضي تلك الدماء التي تلامسها .. تنتهي الرؤية الأولى وتذهب لأخرى وأخرى وقبل أن يحترق مخها من هذا النشاط الزائد عن حاجة البشر أحملها عن الدماء شبه مغشية عليها وأعيدها للغرفة التي خصصتها لها وأضعها بسريرها . أجلس بجانبها أمسح على شعرها الأشقر بحنان وإنتظر ثورتها علي لما تفيق وحدث ما إنتظرت. تمسكني من تلابيبي وتصيح بي : -   كلهم أطفال ليه تعملي كده ؟ -   الأطفال سهل خداعهم لأني كنت شبهم  -   وكبرتي وبرضه بتقتلي أطفال -   لأن محدش عايزهم نايمين في الشارع بياكلوا من الزبالة كانوا لازم يموتوا قبل ما يتولدوا .. دول مش  زيك يا هنا دول مالهمش مستقبل هيبقوا مجرمون .. انا بعمل خدمة للمجتمع تنظر لي متعجبة وتصمت وأنا اخاف صمتها أكثر من ثرثرتها وما حدسته صحيح إقتحم بيتي العديد من الرجال في أزياء موحدة وأبيها وأخويها . الرجال قيدنوني بأصفاد حديدية بينما هي يحملها أخيها الأكبر؛ حسام بين ذراعيه وينظر لوجهها المصفر بعطف وإشتياق كبير وكانت تدعي أنه يتجاهلها بينما أخيها الأوسط؛ آسر تقدم مني وصفعني على وجهي بحقداً كبير رغم أنه يراني للمرة الأولى. يسحبني من رقبتي مع باقي الرجال لعربة الشرطة لتنقلني لقسم شرطة ما وتبدأ محاكمتي كسفاحة الأطفال التي كانت تبحث عنها الشرطة منذ سنوات ومن أوقعتني هنا. 
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD