الفصل الثالث عشر

3200 Words
[ كريم الدويري ]   عاد كريم من مبنى مجمع الشركات الجديد بصحاري السادس من أكتوبر لفيلته بصحاري التجمع الخامس في أقل من ثلاثون دقيقة وكان ذاك من أعاجيب هذا الزمان, أن تفصل بين محافظتين خمسة عشر دقيقة لكن الطريق الدائري الجديد أبطل الأعاجيب وإقتص المسافات وعزله بمحيط أخر لم يألفه ولكن الإيلاف والتآلف ليس من شيمه. لا يعلم فيما ولع أبيه بإعمار الصحاري سُكنة وعمل, رغم أنه يستطيع أن يكون بمركز الكون لو أراد. لكن للحق له رؤية مميزة لبواطن الأمور تربك من عاب عليه أي فعل غريب فهذه الصحاري لا تبدي قسوة بل تبدي رحابة وإحتواء لكل مار, فراغ أجوف عن كل ضجر, ساكنة عند كل صخب, باردة إن أنزلت الشموس سخطها الصيفي, دافئة شتائاً رغم أنف الزمهارير, أشجارها ظلالها دانية, تحرسها أرواح الموتى من شتى الأطياف بعدما  إختاروا أو أختير عنهم الصحارى كمثوى أخير, أتراك يهود مسيحيين مثل أمه ومسلمين مثل أبيه باشروا التعمير وأنزولوا على طبيعة المكان الهادئة مزيداً من السكينة. هدوء متعالي وأحيانا متناقص ترى به ما إنتزعت منه عنوة, من سفوح أعالي جبال لبنان مقر الأبدال هذا ما سقطت رأسه به ولادة, وتحت سمائه المقدسة تربى ليكون بدل أبيه من الأخيار الجدد فلكل زمن أخياره مهما إختلفت المسميات والصفات والخلفيات . من جبل لبنان فاض التنور وخرج أبيه من الظلام للنور تاركاً إرث أسود يصعب التخلي عنه أو تجاهله إلا أن أبيه لا يصعب عليه شيئ وكما محى الماضي خط الحاضر وبنى المستقبل, بدايةً من جبل بئر الظهر الي تلال القاهرة الجديدة التجمع الخامس قبل الأول والثاني والثالث حتى, نشأ الخامس على عجالة وبادر أبيه بتعمير أولى القصور وللعجب تبعه العديد, هاربين من زخم القاهرة وسمائها القاتمة لسماء برتقالية تمنح ثمارها بسخاء , هاربين الى شمس لا تغيّبها تعاقب الفصول صيفاً أو شتاء. في الصحاري لا تعني الجيرة شيء, حيث نقل التجمع الخامس روح الكومباوند الموحدة قبل إنشاء العديد من المجمعات السكنية ذو الطابع والروح الفندقية الفاخرة في مصر للمرة الأولى . رغم أن الخامس لم تحده أسوار مثل المجمعات السكنية المعتادة إنما بنيت أسوار مهيضة حول كل باب مغلق لم يبارد غالقه بتطفل أو سؤال عابر. كل من إختار الصحاري رغب بالعزلة أو الهرب من العيون المتفحصة إلا هم, فكل ما أرادوه هو التفحصص. قبل أن يصف سيارته بحث عن طفلته المفضلة. غائبة عنه لأيام خلى منها النسيم المريح وأغطش الليل على قلبه المبتلى بكل هوى حتى تسيد فؤاده هواها فهي الرياح الباردة, العبق المُسكر وللمفاجأة هي وسيلة الحياة الأكثر فعالية للقصاص منه. معه لأجلها هدية قيمة, قطعة الشيكولاتة السادة لأنها تحمل حساية من أغلب أنواع المكسرات. الشيكولاتة في جيب سترته ليومين, وكانت تلك هي الفترة التى لم يراها بها وذلك أمراً خطير فكلاهما عاشقين ولعين ببعضهما البعض والفراق غير مرجح بقصة عشقهما . هى أول فتاة بعمرها الزهري رأته وسيماً وتمنت أن يبدلها عيونه السوداء وشعره الداكن المسترسل رغم إنها آية من آيات الجمال. تضحك بمجرد أن تراه حتى قبل أن يحملها ويدغدغها. كانت هى البادية بهذا المزاح لما رأته يبكي أمه للمرة الأولى والأخيرة, وحينئذ نظرت اليه بحنان أم رحوم لم تبلغ السادسة من عمرها, وربتت على كتفه بينما تقول له ببرائة : - مامي بتاعتك فى الجنه يا كريم .. عند ربنا .. ما تزعلش                أرخى ناظريه عن العيون الزرقاء بينما يكفكف دموعه خجلاً من طفلة تسوق لجنات تعلم عن حساباتها أكثر مما يعلم ولم يشغله يوماً أن يعلم, فقد إنشغل فؤاده بأمه التي لفت باللباس الأبيض الأخير مهيأة لرحلة لا عودة منها. كانت جنة الطفلة حديقة وارفة بها الكثير من الفواكة وبها أيضا محال للحلوى لا تطالب بنقود لتأكل منها ما تريد, كانت الجنة لطفلته هى الحلوى, ونقلتها له بمرح تقبله حتى جفت دموعه على أمه التى صارعت للسنين المرض الخبيث ثم إنتقلت لجَنة الحلوى. إقتربت منه أم الطفلة العليمة بالجنة وأصرت عليه أن يطلب منها أي شيء بأى وقت شريطة أن لا يكون زوجها بالمنزل وأن تكون وسيلة الإتصال هى المحمول للسرية وسوف تلبى النداء بأي وقت. وعدت الأم وأوفت بوعدها فمن عادات آل جلال الوفاء بالوعود, فقد كانت تسأل علي أحواله وعلى أحوال أخته بإنتظام بغير وجود أبيه أو زوجها لسنين عدة حتى نشأت الألفة بين طفلته المفضلة الشقراء ذو العيون الزرقاء الواسعة مثل بحور حالمة تعكس بهجة السماء الصافية وشعراً ذهبياً تتبدل معايريه الذهبية للنحاسية بكل سنة تزيد على عمرها. إعتاد أن يراها بالحديقة وحيدة تلعب وتراقبها أمها عن كثب رغم أن المنطقة خالية من بشر, لم تكن هناك غير فيلتين فيلته وفيلتها التي تحت الإنشاء منذ رءاها منذ أربع سنوات وحتى الان ولا يبدوا أن لها إنتهاء بالقريب . جائت لقائاتهما يوميا بالحديقة فى غياب أبيها, يراه دوماً يلعب معها عند عودته بملابسه العسكرية الحكلية ولا يخشى يد الصغيرة المذوبة بها الشيكولاتة على الدوام, يعلمها ركوب الدراجة مراراً بلا إستناد ولكن تخزله وتسقط فينهرها وينعتها ببطيئة الفهم وحينها تبكى مباشرة لأنها تمتلك حساسية مرهفة شديدة يستلزمها حرصاً دائم لا يحبذه رجال إلا أبيها, فهو يحملها على كتفه, ويربت على ظهرها في حنان, لاعناً الدراجات وإصرار أمها عليه أن يعلمها ألعاب الصبيان وفتاته أرق من نسيم الحرائر الفييتنامية. يصعد بها  أبيها للبيت راجياً الغفران من عيونها الباكية إنما تانك العينين تستعيد رباطة جأشها سريعاً وتتطالب بتعويض جزافي لا يتوانى عنه الاب . وجدها أخيراً تحاول قيادة دراجتها الحمراء ذو الأشرطة الحريرية فتتعثر مجدداً وتسقط إنما تعاود النهوض بعصبية وتمسك بالدراجة لترفعها بالهواء ثم تلقيها أرضا كشكل من أشكال العقاب الجائر, تلعن الدراجة بدورها وتنعتها ببطيئة الفهم ولمزيداً من التأديب تركلها مراراً حتى تستغيث تروسها وقبل أن تنهي عمل الدراجة لأجلا غير مسمى نادى على أسمها مصدر السرور فلبت النداء من فورها وفتحت باب فيلتهم الأسود من الحديد الثقيل بمفردها فطالما كانت فتاة قوية جسورة تحملت خذلانه لها لسنوات سابقة وقادمة بلا تملل. جرت نحوه حملها بالهواء وسألها عن أحوالها وأين كانت بهذه الايام الماضية فجاوبته : - بابى وحش حابسني - ليه - عشان رخم ضحك بشدة آثر مرح كلماتها العفوية إنما نهاها عن قول هذه الكلمات خاصة عن أباها لكن لم يبدوا علي عيناها تقبل للنصح الأخوي لأنها ببساطة ليست أخته فهي خطيبته رغم أنفه بعدما خطبتها أمه بنفسها من أمها وقبلت فدوى الهانم الإتربي خطبة إبن البلطجي والراقصة من باب مواساة مريضة طريحة الفراش فالصغيرة نقية, بريئة بلا شائبة ويستلزمها نقي تقي ليس له وجود بالواقع الحالي إنما الأيام أثبتت أن الصغيرة بارعة بإعادة تدوير القمامة من البشر. علم من الصغيرة إنها لم تجد أوراق ترسم عليها لتكون مهندسة مثله ففتحت شنطة أباها وأخرجت بعضاً من أوراقه ورسمت عليها فغضب أبيها وثار عليها وعلى أمها بلا أسباب وحينها تعجب كريم, كيف تكون مهندسة بمثل موهبتها ولا تجد الورق والألوان ثم طلب منها إن ما إحتاجت لأدوات رسم أن تطلبها من خطيبها مباشرة فقالت بسعادة : - بجد يا ريكي ؟ - بجد يا نوننا هجيبلك بكره إسكتيش كبير والوان - وأقلام رصاص كتير زي اللى عندك أومأ بالمواقفة بكل طواعية لسحر الخطيبة حتى قبل أن تمنحه قبلة الحياة على وجنته اليسرى . أنزلها ثم أخرج من جيبه قطعة الحلوى الكبيرة فإنتزعتها منه ولم تشكره كعادتها, فتحتها على عجالة حتى فاجأتها يدً أخرى أخذت قالب الشيكولاتة منها وألقته إرضاً. خاطبه صاحب اليد الخاشمة .. -       إنت عايز من بنتى ايه يلا ؟؟ نظر كريم لأبا الصغيرة وقال ..   -       ولا حاجه كنت بسلم عليها هدده قائلاً .. -       لو شفتك ادام فيلتى تاني او بتكلم بنتي انا هضربك بالنار فاهم يا ابن الرقاصه  حدجه كريم بنظره جوفاء مثل قلبه الذى لا يرحم ذكره أمه المتوفاه ثم إبتسم وقال متهكماً عيناه علي عينين خطيبته  .. -         - كرمال عيون الحبايب راح فِل حمايا .. كرمال عيونها اسمع واطنش .. كرمال عيونها انت والهانم  إلكو عمر .. ما فيني أغضَّب خطيبتي كمان الصغيرة محتاجة ترباية بدل ما تصير هربانة مثل أمها    ثم ضحكة عريضة قفزت عن صدره بعدما بدى الإنزعاج حقا على العميد الصغير زوج الهاربة من عصمة زوجها الاول إليه. يد حارسه تجذبه من ذراعه لترك ما تبقى من فسحة العميد الخربة لفسحته الرحبة أمام قصره. تزحزح كما أراد الحارس بعدما تحولت حمرة الغضب على وجه العميد لزرقة الفضيحة. حارسه يحتد ويسأله فيم الإحتكاك بالعدو اللدود إنما وفر الاجابة لنفسه ووقف يرقب عيون أبا الصغيرة المزدرية تتحول عنه للصغيرة سائلاً عن ما جرى فأجابته .. -         كان بيسلم عليَّ حدجها بغضب وقال .. - أنا مش قوتلك ما تكلميش حد غريب  - ماما قالت كريم اخويا صُفع الوجه الصغير المروع من هول ما لاقته من أبيها ثم أعلن أن ليس لها إخوان غير أخويها الذكور فتركته وصعدت تبكي الى الفيلا لتشكوه الى أمها على الأرجح . نال كريم وحارسه كفايتهما من مشاهد الحنان الأبوي ودلفا للفيلا, لا يعلم كريم كيف تكمن القسوة والحنو بنفس القلب, قلب إستطاع حامله صفع صغيرة لم تتجاوز السابعة من عمرها لا تحب بدنياه غير شيئين ربنا وبابي وكريم ومامي وميرا وحسام والشيكولاتة والطائرات بمختلف أنواعها, هؤلاء هم الشيئين المحببين لدى الصغيرة البارعة بكل شيئ إلا العد . ترى متى تأتيه لتشكوا قسوة أبيها وخذلان أمها لأنها لا تدافع عنها, بعد الغداء أم العشاء بالعشاء على الأرجح لأن بكل مرة يضربها أبيها يرجوا غفرانها عبر تنزه لمكان من إختيارها. لولا الراقصة الذي يستذل بذكراها لجعل فيلته مقبرته فأمه إستودعته الأمان لفدوى وإبنتها جزاء معروف لم يستطع حتى إنكاره بينه وبين نفسه وإن إستطاع حارسه لم يتوقف يوماً عن تذكيره فقد كان حارسه حارساً كذلك على وصايا أمه الأخيرة. يخلع عنه سترته ويطلب منه الهدوء ولو من أجل الصغيرة التي ليس لها أي ذنب لينزل بها إنتقامه من والديها فأمه لم تطالب بقصاص وعليه أن يبتعد عن درب ساكني الفيلا المقابلة ولو من أجل وصية أمك يا ولدي -         - ما ني ولدك يا حقير يا خاين تتيبس ملامح حارسه أثر كلماته للحظات حتى إرتخاء واجب فالسيد في حاجه لمأزره الصيفي إستعداداً لتناول غدائه في الهدوء المعتاد بين الاسرة المأساوية. أب تجاوز منتصف العقد الخامس يعيش قصة حب مضت وهو الوحيد الذي يراها قائمة, وأخت لم ترى الحب من قبل, سمعت عنه فقط بصخب أصم أذنيها عن كل نداء له حتى قبعت بفيلا أبيها كأصغر أرملة سوداء قد يكون شهدها العالم. ميرا الجميلة أخته الوحيدة مطلقة من كهل بعمر أبيها وهي لم تتجاوز الثامنة عشر ومن حينها قنعت بمكانتها وظلت بها رغم التهافت على كل ما تمتلكه من مميزات يراها الجميع إلا هي. إنتهى ثِقل وقت الغداء لما سمعوا صراخ نسائي إنما لا يستغيث ورغم ذلك قام العاشق بالخامسة والخمسون بعدما ميز صراخ معشوقته وهرع للبلكون للإستتطلاع الامر البيين لكريم وحارسه فقط إنما غادر الحارس بعدما أغضبته كلمات سيده حتى سهى أنه مخدوم لا يحق له التنفس إلا بأمرٍ من سيده وليس تركه لمواجهة أبدلت حسابته المستقبلية تماماً وجعلته أسفاً يمتثل لوصايا من وراءها الثرى قبل أن تحصل على ثأرها من والدين خطيبته زرقاء العيون . فدوى, أم الصغيرة تنزل درجات سلم فيلا زوجها ممزقة الثياب وجهها مضرجاً بالدماء, متعثرة بخطواتها الوئيدة التي تعيدها للخلف قبل أن تدفعها للأمام, صراخ الصغيرة يدعوها للعودة ونظرات زوجها تأمرها بالخروج قبل نيل المزيد ثم حمل صغيرته وعاد للداخل. أكملت فدوى خطاها حتى خرجت من فيلا الهنا ثم سقطت على رصيفها تلقط أنفاسها الهادرة وتجمع ما تمزق عن جسدها من فستانها. لم يتحمل معشوقها الأول وترك فيلته وسارع إليها متجاهل تهديدات معشوقها الثاني بالقتل, مد لها يد العون كما مدها آلاف المرات وقوبل بالرفض لكن هذه المرة مختلفة فقد تقبلتها فدوى هانم وقامت معه لفيلته. إذاً على كريم التهيأ للمعركة القادمة, لذلك ذهب لخزانة الأسلحة واخرج سبرينج فيلد وزخره بينما العاشق وإبنته ساعدا فدوى على نيل بعض الراحة بعد عناء مورس عليها لسنوات ولم تتملل يوماً أو تطلب نجدة.  أجلسها أبيه وهدّأ من روعها أما أخته جفتت عنها دموعها ومسحت عنها بعض الدماء التي نزحت عن شفاها بمنشفة مبللة جلبها الخادم على عجالة . يتسائل العاشق الأول عن سبب العراك رغم أنه جلياً, لم يمر لقاء كريم بحماه وخطيبته مرور الكرام وكان هذا النتاج .. يصيح بحماس غير مسبوق .. -         ولا يهمك انا هخرب بيته  تنبهت فدوى على الفور وتناست آلامها وخاطبت أباه : - ارجوك يا منير دى مشكلتى لوحدى وأنا مش عايزه مساعدة من حد بذات أنت - هى دى جزاتى يا فدوى .. إنتِ حره .. انتِ اللى عملتِ فى نفسك كده لما فضلتيه عليَّ قليل الحيلة أبيه أمام معشوقته الوحيدة ليس حذق كعادته, يطالبها بالعودة لحظيرته التي خرجت منها هاربة ولم تخرج من حظيرتها الحالية بعد ولن تخرج إلا بصغيرتها. وجب على أبيه أن يتركها تتلاطمها لجات الهجر وحينها سوف ترسوا على شاطئه الآمن بمفردها قبل الغرق. ما الذي أخره لعشرون دقيقة كاملة حتى طرق باب فيلتهم بهذا العنف, سارع مدير المنزل لفتح الباب إلا أن أبيه إستوقفه ليستقبل غريمه بنفسه فهذا اللقاء إنتظره أبيه منذ تسع سنوات ولم يتملك منه الملل يوماً. إستقبال حار يليق بالعميد الصغير, يدعوه للدخول بكل ترحاب وبإبتسامة نصر لم يظفر به بعد. دلف عميد طيار لفيلتهم لأول مرة يحمل سلاحه الميري بين طيات ملابسه العسكرية, ساذج رغم المراكز العظيمة التي يتقلدها, جاء يرتكب جريمة بسلاحه الحكومي حتى لا يجد تملص من العقوبة أمام أي محكمة أم الفقر من جعله لا يستطيع شراء سلاح خاص به غير مرخص. سارع بالخطى الى زوجته التي لم تبالي بوجوده وسحبت يدها من يده التي تحملها على النهوض والخروج من وكر البلطجي الان, فقامت لتصيح به : - عايز إيه مني تاني ؟ - إمشي ادامي من سكات لم تردخ فدوى لجذوة حب إستعر بقلبها لسنوات قضتهم مع أبيه حتى إنتقلت بمحض إرادتها المنفردة حتى بلا طلاق من أبيه لرجل أخر يهددها بالقتل إن لم تخرج معه الان.. - كل اللي بينا إنتهى خلاص ماعتدش غير هنا هاخدها بالمحكمة بعد ما أثبت جنانك وجد العميد الجنون إهانة على ما يبدوا فقد صفع زوجته أمام معشوقها الذي هرول إليها ووضع يده على ما لا يملك وأبعدها عن مالكها الحالي الذي توهجت عيونه بالجنون بحق وأنزل يد معشوق فدوى الأول عن كتفها العاري رغم أنه من عراه لما مزق عنها ملابسها وطردها من بيته شر طردة. الحائز على جائزة أسوء أب بلا منازع ينظر له لينهى نزاع قد يؤدي لمقتل أبنه البكر وذراعه الأيمن والأيسر, فتقدم كما أمر أبيه ولكن لم يشهر سلاحه للأن وقال لحامل سلاحه الميري بهدوء .. -  انت مش طلقتها إتفضل من غير مطرود -  انت اللى جيبته لنفسك هتحصل امك فى جنهم استل جلال سلاحه وسدد على كريم كما توقع تماماً هو وأبيه, لم يتفاجأ أحد منهما ومن تفاجأت فدوى وخرجت من خلف أبيه لزوجها تهدئه وتعده بخروجها معه الان قبل أن يُذهب مستقبله هبائاً, العجيب هدأ الثائر وأنزل سلاحه إنما الأعجب هذا الشعور الذي يدعوه البعض بالحب فقد خرجا العاشقين من وكر البلطجي قبل جريمة كانت متوقعة منذ لحظات إلا أن البلطجي يأبى هذه النتيجة الهادئة وقال بحدة لفدوى .. -          - هتروحي على فين .. طلقك خلاص .. وجبتِ البت اللي انت عايزاها .. تبقى القصه خلصت على كده أحسنلكوا أنتوا الاتنين عاد العميد مجدداً وأزاح زوجته عن طريقه بعد مائة توسل للعودة من حيث أتوا لم يسمع أياً منهم وسدد على أبيه وقال بحدة : - كنت لازم أقتلك اول ما رجعت عشانها بس إحنا فيها حسابكوا هيخلص دلوقتى - وإيه اللي منعك .. إضرب ترددت سبابة العميد عن الزناد إرتخت وجمدت عشرات المرات فأردف أبيه بحكمته : -         - البلطجي  شجاع والحرامي جبان .. يسرق ويجري يستخبى بسرقته .. يله مستني إيه اضرب على صاحب الأمانة اللي سرقتها ورجعت ولسه ليك عين تيجي لحد عندي وتاخد اللي ليَّ بدى على وجه فدوى الذهول من أشعار البلطجي التي نالت من زوجها ثم تحولت لزوجها وقالت .. -         - ماتسمعلوش يا جلال يله نمشي من هنا   لم يستمع العميد للحب هذه المرة فقد تغلبت الكراهية, الزوجة تحاول بكل ما تمتلكه من قوى إنزال المسدس عن يد زوجها المتخاذلة عن وجه أبيه الشجاع كما ينعت نفسه ويشير لولده ليشهر سلاحه بوجه العميد بدوره إنما لا داعي لذلك, فرغم أن معرفة كريم بالعميد لا تتعدى بضع الكلمات الحادة من ناحية الثاني إلا أنه يعرفه تمام المعرفة, يد العميد ضعيفة مثل قلبه ترفض القصاص لسنوات من العذاب تذوقها على مهل من أبيه حتى فاض الكيل لما قال أبيه :  - عمرها ما كانت ليك .. عمرها ما حبتك .. كنت القشايه اللي إتعلقت بيها لحد ما غرزت معاك بالبت ثم نظرة اليقين من جلال لزوجته بعدما كشف أبيه غطاء الحب وظهر القعر المتعفن لأمال بلا سقف, تزوجت الصغير الذي أمن لها حلم الامومة وتخلت عن العجوز الذي نضبت سوائله المزهرة, ولما تحقق الحلم وأزهرت لها الحياة بالهنا آنت العودة للرخاء والنفوذ وإن كان بقبضة عجوز خرف مثل أبيه إنما هذا الخرف ميزة لصالح سليلة القصور حتى يتثنى لها تحقيق كل ما تمنته بعدما هدمت قصور على رأسها وأعاد بنائها الخرف من أجل عيونها البنية, قصور لن تطئها إلا لو إستظلتها مع إبنتها الوحيدة والخرف أيضا هو القادر على ذلك لما يقوم بدفن العميد الصغير حياً بإشارة من أصبعها. إستشف الحقيقة العميد كما رأتها زوجته بعيناه وجمعت كل قواها وأنزلت المسدس عن وجه أبيه لتقي العميد من حفر قبره بيده ولو كان الثمن قبراً أخر ترقد هي به. دوت أول رصاصة بجنبات قصرهم وإستقرت بجانب الزوجة الأيمن وكما سمع عنها قوية دائماً وأبداً وإن إنتهى أبدها. سقطت بين معشوقيها تحاوطها بركة كبيرة من الدماء ولا تطلب النجاة إنما تبتسم لملاكاً لن يصطحبها لجنات العلا وسوف يظل على الارض يعذبه كلما واتته الفرصة أم لم تواتيه . كانت عيون الجميع مشدوهة علي القتيلة حتى الزرقاء منها, تقف مالكة العيون الزرقاء عند أعتاب الفيلا تنظر لأمها بذعر بعدما رأت كل ماحدث, أمها تشير لها بأخر ما تبقى لها من قوى مودعة بإبتسامتها العذبة لتعيد لذاكرة الصغيرة محادثة جرت بينها وبين والدها. سردت المحادثة لخطيبها بتخوف لما رأته أمام خزانة الأسلحة يخرج منها مسدسه تهيئاً للخروج من البيت كما يتوجب عليه من طقوس يمارسها يومياً مثل إرتداء ملابسه, عند الخروج من القصر يقبع مسدسه تحت ذراعه الأيسر تحسباً ليس أكثر فحراسته من حوله على دوام. قصة الصغيرة شقية مثل كل ما تحمل من صفات, دخلت غرفة نوم أبيها بغير وجوده وأخرجت من حقيبته مسدسه الميري وسددت على المرآة مهددة إياها بالقتل إن لم تترك حبيبها الذي سرقته منها كما رأت بأخر فيلم رأياه سويا كان يدعي death becomes her  كان فيلم كوميدي ولكن من الجلي لم يكن يناسب طفولتها. دخل أبيها عليها الغرفة وقاطع تعذيبها للمرآة وسحب منها المسدس على الفور ثم سرد لها قصة مفزعة لا تتناسب أيضا مع طفولتها, فحواها أن كل من يلمس هذا المسدس هالك, يموت ويحفر له حفرة كبيرة يلقى بها ويسدل عليه الأتربة ولا يعود للعيش مع عائلته أو أصدقائه, لن يأكل الحلوى التي أفسدت أسنانها وأصبحت بلا أسنان ولن يركب دراجته الحمراء ذو الأشرطة الامعة , لذلك أيقنت الصغيرة أن أمها سوف تلاقي نفس المصير ولن تراها مرة أخرى . الصغيرة جثت على دماء أمها تحثها على النهوض رافضة لها هذا المصير, بينما أخته تحاول رفعها عن الدماء ولكن الصغيرة تدفع يد أخته عنها بذراع وبالأخرى تضرب صدر أمها لتصحوا من غفوتها. حملها هو عن دماء أمها التي لطخت فستانها الودري ووجهها الباكي الذي تمسح عنه الدموع براحتيها الدامية, تتسرب من بين أيديه إنما يعيدها لأحضانه بغية إغشاء عيناها عن الإثم القائم. صراخ حاد أصم الآذان عن الأنفاس الأخيرة المتبقية لشهيدة حبها إنتهى بحالة تشبة الفواق إنتابت الصغيرة فأوقفت صراخها ثم فقدت الوعى على كتفه. نزعها أبيها منه وخرج من الفيلا وترك جريمة لن يستطيع التملص منها بينما العاشق تحرك سريعاً وسبر جرح معشوقته حتى تبين عمقه فلم يجده قاتل حتى الان.               نقلت فدوى للمشفى على وجه السرعة وأجريت لها على الفور عملية إستئصال للطحال, فقد مزقته الرصاصة إنما طمئنه الأطباء على حالتها المستقرة للأن وقد تكون متيقظة بالغد لإسترداد إبنتها الوحيدة. لم يكذب حدسه باليوم التالي أفاقت وكانت أول أسئلتها ماذا جرى فأعاد عليها أبيه الأحداث بإقتضاب فجائت ثاني أهم الاسئلة .. -          - وهنا جرالها حاجه ؟ حدثت كارثة قد لا تتحملها الام المكلومة ولكن أجابها كريم مطمئناً .. - الله اعلم بعد ما أبوها أخدها محدش شافها بس أكيد خير لو كان حصل حاجه وحشه كنا عرفنا - أنا عايزه أمشى من هنا يا منير نظر أبيه لها بحنان لم يراه كريم طيلة الفترة القصيرة التي عايشها مع أبيه وقال : - انتِ لسه تعبانه - عايزه اشوف بنتى انا مش مطمنه - هتروحى فين بعد ما تخرجي ؟ - هاخد بنتى وهتطلق وأرجع شقة ماما - جلال طلقك خلاص بعت ورقة الطلاق على المستشفى - كتر خيره وفر عليَّ كتير, أنا عايزه اخرج        
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD