الفصل الأول

1464 Words
الإسم : جلال عبد المقصود عبد الحي المرعي السن: ثلاثون عام الديانة : مسلم المهنة : طيار عسكري جهة العمل : الجيش المصري الحالة الإجتماعية : متزوج الميول : الطيران, عائلتي, القراءة ولا شيء أخر قد يبعدني عن مساري أبداً ولو مملكة سفلية تطالب بإبنتي الوحيدة مليكة لهم. ولدتُ ونشأتُ ثري, إبن أصغر بعد زمرة من الذكور والإناث, أبي الحاج عبد المقصود شيخ تجارة الأخشاب بدمياط ومصر كلها, سكنت قصراً بدمياط, تنعمت بكل ترف وتنازلت عنه طواعياً كي أتزوج زوجتي الثانية (فدوى). تعرفت على فدوى قبل زوجتي الأولى وجمعتنا قصة عشق طويلة إنتهت لما صارحت عائلتي بنيتي للزواج منها, تعلّوا بشتى العلل؛ لي خطيبة تمت خطبتي عليها منذ سنوات عديدة للغاية حتى إنني نسيت أمر تلك الخطبة, فدوى كانت بعيونهم ولازالت للحق؛ قاهرية فاقدة للقيم والأخلاق بينما خطيبتي كانت من نفس منشئي بدمياط وعلاوة على ذلك أبيها تربطه علاقة صداقة قوية مع أبي, وبالنهاية وبعد سنوات عديدة كذلك علمت السبب الحقيقي. سبب رفض عائلتي لفدوى كان الإشفاق على عمي اللواء حمدي و فؤاده المنفطر إثر قصة عشق لم تكتمل فقد ربطته علاقة حب أو حتى إستلطاف بأم فدوى بعد طلاقها من زوجها وسفره للخارج وترك فدوى وأمها بلا عائل . أراد عمي التزوج من أم فدوى وكأي رجل نقل عمي نيته لطبيب التجميل الأشهر بميامي الأمريكية تحسين الإتربي وطلب مباركته فنال عمي المباركة وأكثر. عاد تحسين من أمريكا لدمياط رأساً, لكبير العائلة أي أبي وطلب منه أن يبعد أصابع أخيه العابثة بالشجرة الإتربية العريقة بأسلوب شديد اللهجة, أسلوب صخب جمع دمياط على نغمه الشاذ فقد لقبنا بسارقين نساء, فلاحون لا علم لنا بأصول التعامل المهذب, طامعين بما ليس لنا؛ كمثل النسب الترف من أسرة علية من العصر البائد؛ سلالة الإتربي باشا. وإنتهت قصة الحب وعاشت أم فدوى وحيدة حتى وافتها المنية وتركت فدوى وحيدة كما تركتها وتزوجتُ خطيبتي الأولى نزولاً على رغبة عائلتي إنما أعادتني الأيام لحبي الأول ضارب عرض الحائط لكل نصح ولست نادم. تزوجت فدوى فور زواجي من أقرب صديقاً لي لمجرد كيدي, رجلاً ثري يكبرها بعشرون, في وسعه الإنجاب فقد كان له ولدٌ وفتاة من زوجته الأولى إنما فدوى لم تنجب منه وللسخرية القصوى أنجبت لي هنا إبنتي الوحيدة. لي ثلاثة أبناء ؛ ولدين من زوجتي الأولى وإبنة وحيدة من الثانية (هنا) سعادتي وبهجتي وإبتهالاتي للسماء. ولدت هنا بعد صراع طويل من أمها للتداوي بدأ منذ زواجها الأول وحتى زواجها مني. صرح لها الأطباء أن لديها عيب تخليقي لا أمل بتعديله دوائياً أو أسفل المشارط الطبية يجعل من الإنجاب حلمُ مستحيل إلا أن المستحيل تحقق بعد ثلاثة سنوات من زواجي بها, وحدثت معجزة السماء وليست الأسافل كما توسوس لي الشياطين. ولدت هنا ضعيفة منهكمة بنصف رئة وثقبين بالقلب وسوائل حارقة تتمركز على مراكز الإدراك بالمخ . من أجل صغيرتي جبت البلدان, قطعت القارات, شاركت بحروب ليست لي بحثاً عن التداوي من أجلها. من أجلها تقدمت لكل بعثة إستطلاعية لتبادل الخبرات مع دول الجوار وغيرها أو الأصح تعبيراً؛ لقيادة مركبات تحمل مواد خطرة ملتهبة أو جرثومية, ما من حرب مرت علي وإلا شاركت بها كمعلم أو مدرب للملاحم الجوية ومع كل تلك المخاطر كان المقابل شحيح بالكاد غطى نفقات علاج الصغيرة فقد كنت أبتاع لها أدوية تكميلية تعد في المختبرات فائقة السرية ولن تنزل للسوق العلاجي أبداً فقد كانت كل بلدة تتحفظ على خبراتها بغية التفوق على مثيلتها. كنت أتوسل الإحسان من هذا وذاك علّني أستدل على من في مقدرته مداواة صغيرتي إلى أن وفقت لما أخبرني طيار خليجي المنشأ عن أبحاث تقوم بها الولايات المتحدة على ما يسمى بالخلايا الجذعية والتي تتميز بقدرتها علي بناء كل الأعضاء والأنسجة التي تنقص صغيرتي. المثير للدهشة أنني وهذا الطيار كنا على خلاف دائم تطور لسجال منه لعراك بالأيدي وإنتهى بقصفي جواً بإحدى المعارك إنما كتبت لي النجاة ولازلت للأن لا أعرف لمَ أشفق على صغيرة يكره أباها الى هذا الحد المروع إلا أن الأخرق هذا صرح أكثر من مرة أن تلك الصغيرة قدره المنتظر منذ عقود كما تنبأ له أحد العرافين فقد كان دائم التردد عليهم كما تفعل النساء الناقصات عقلاً ودين. يريد إستخلاص دمائها من أوردتها حية نقية لم يطئها رجل ليتبوأ مكانة بُشّر بها من قبل شياطينه. لم أبالي بتعليقات الأخرق الغريبة ووظفت كل طاقاتي للبحث في كافة المختبرات على من يقوم بتلك الأبحاث لأتزود بالمواد الازمة لشفاء صغيرتي, وها هي الان بالسابعة من عمرها وتتقن ثلاث لغات بخلاف العربية فقد أشركتها أمها بمدرسة دولية بصحاري التجمعات تكلفني مبلغ ليس هين, تجادلني بالحسنى وغيرها, تريد التزوج من رجلين كما تزوج أبيها من إمراتين, تطمح بالسفر للخارج لتعيش مع جدها من ناحية الأم بقصره في ميامي الأمريكية والإبتعاد عن أبيها المتزمت الذي لا يدعها تشاهد البرامج الأمريكية الماجنة والمسلسلات الكوميدية فالصغيرة من عشاق ساينفيلد, تقرأ الحزن المشفر بعيناي وتحوله ببراعتها لسعادة قد يضيق بها قلبي فتتسرب الى كل خلية بجسدي حتى أطفوا إلى عنان السماء خاصة لما تجالسني وتقرأ علي همس الجنون بينما أخويها الذكور البالغين كلاهما يبغضا القراءة وإن حدثت المعجزة وقرا شيء بخلاف الكتب الدراسية يقرا لغز ميكي ومهمات رجل المستحيل, لا تميل صغيرتي للأدب العربي ولكنها تقرئه لإسعادي وكذلك لتجبرني على الإعتراف بأن محفوظ – جامد قتل – فأنا رافعي المذهب . تضحك بشدة ثم تصارحني بأن عمها الأكبر تزوج سراً من راقصة سكندرية لمجرد أنه شعر بالغيرة من أخيه الأصغر الذي تزوج من إمرأتين, تعبس قسماتها وتنقل لي أخر أفاعيل جدها المخزية وتلح عليه بالسفر لدمياط قبل كارثة منتظرة من قبل جدتها رداً على الإساءة فقد تزوج أبي بدوره زوجة جديدة سراً عن أمي. تبكي وتدعي المرض فأظل معها ولا أذهب لعملي لليوم وباليوم التالي أذهب لمكتبي بالكلية الجوية لا أجده بعدما أطاح بالجزء الجنوبي من الكلية إنفجار لإحدى مواسير الغاز الطبيعي أدى لحريق هائل كاد يؤدي بحياة الكثيرون إنما حمد لله كنا حينها بالإجازة الصيفية ولم يكن ليتضرر أحداً غيري والساعي الخاص بي والذي كان بدوره متغيب عن جلسته أمام مكتبي ومكث برفقة زملائه بالجزء الشمالي من الكلية لما أبلغ رئيسه عن غيابه لليوم. الصغيرة ورثت كل طيب وسيء عن عائلتها, شقراء ذو قوي روحانية عن أمي ؛ جميلة عن أمها, مائلة القلب والعاطفة عن أبيها, ذكية لا أعرف عمن إنما رجحت أن الخلايا الجذعية تلك طورت قدرتها على الإستيعاب والتحليل كما طورت شيء لم يأتي بالحسبان أبداً فالصغيرة ترى تلك الرؤى غافلة أو واعية حتى السابعة من عمرها على النقيض من أمي التي تضائلت قدراتها التخاطرية بداية من السادسة من عمرها ثم إنتهت تقريباً بعد زواجها بل وإقتصرت بعض رؤياها الموثقة على النوم فقط. لما بلغت هنا السنة وجدتها داخل مهدها الصغير تحرك شفتاها كأنها تتحدث لأحدهم ويمازحها وتضحك وحيدة بالغرفة وهي بالطبع لم تكن تتحدث حينها أو حتى تهمهم, لاحظت أمها كذلك وأخضعتها لكشف إشعاعي على الدماغ وجائت المفاجأة؛ القوى الكهربية بدماغ الصغيرة أقوى وأسرع إنتشاراً بين الخلايا عن أي شخصاً طبيعي مما يجعلها سريعة الإنتباه لكل ما يحدث حولها وقد إن لم إجزم بذلك حينها ترى أطياف وكائنات لم يعترف بها العلم الحديث خاصة الأطباء على شاكلة أمها طبيبة الأسنان التي ظنت إن الصغيرة مصابة بالتوحد لشدة ذكائها وإستيعابها مقابل الإنفصال الكلي عن العالم الخارجي إنما فاجأتنا الصغيرة مجدداً لما بدأت بالتواصل مع أمها بكلمات واضحة وهي لم تكمل العام ونصف العام. كانت تجزع من القطط بشدة فبمجرد أن تراها تنخرط في بكاء لا ينقطع حتى في يوم وجدت به كل قطط البناية سواء المستأنسة أو قطط الشوارع قررن الإنتحار الجماعي من أعلى البناية التي سكنتها مع زوجتي الثانية حتى أن السائرون المسالمون وساكني البناية ظنوا أنه يوم الدينونة وليست معجزة هنا الخاصة. لم أجزع من معجزات هنا فحياتها للآن معجزة بحد ذاتها حيث نصحني الاطبار فور مولدها بأن لا أبني أمالاً عريضة على بقائها على قيد الحياة ولكنني رفضت لها هذا لمصير, حتى جدها من ناحية الأم لما أرسلت له فدوى معاملات الصغيرة الصحية نصحها بالتفكير بالإنجاب مرة أخرى ولتترك الصغيرة لتموت بسلام إنما الصغيرة مثابرة ومن توقع الأطباء موتها بعد أيام من ولادتها أكملت الشهرين بحضَّانة طبية فقد بدأ القلب بالترقيط تلقائياً وسوائل المخ المدمرة اخذت في التلاشي إنما مشكلات الرئة ظلت على حالها. رغم الأخبار الجيدة رافقتني الأفكار التشاؤمية فبكل مرة أزور الصغيرة بحضّانتها الطبية لم أسمعها تبكي ولو لمرة واحدة أو حتى تحرك أطرافها كسائر الأطفال, كانت مجرد قفاز فارغ من جلدٍ بشري ناصع البياض أعلاه زغب أشقر وبمنتصفه عيون زرقاء لا تجفل. تساقط النصح علي من كل صوب؛ دع الصغيرة تموت بسلام حتى كدتُ بمرة أن أفصل عنها أجهزة الإعاشة بمباركة أمي التي وجدتني أزبل للموت مثل صغيرتي إنما باللحظات الأخيرة وقبل أن أجن وأفعلها أنقذتها جدتها . لم أدري من أين ظهرت لي أمي فقد كانت أخر مكالمة هاتفية دارت بيننا أمس إتخاذ القرار, حتى إنها لم تصرح إنها قد تزور الصغيرة لنظرة الوداع كما زعمت حينها . سمعت صراخ أمي بإسمي بين جنبات المشفي الراقدة بها صغيرتي, ثوان ورأيتها تهرول تجاهي يبدوا عليها الإنهاك, متعثرة في خطاها كأنها أتت عدواً من دمياط للقاهرة رأساً. أخبرتني أمي إنها راودتها رؤية مطمئنة للصغيرة, الصغيرة تكبر وتبلغ وتصير شابة جميلة يتهافت عليها الخطاب وأنا بمجلس عَلي أأمر وأنهي ولا يتجاوزني أحداً لأنني أملك ما صعب على الآخرون؛ فتاة خلوقة مهذبة طوع أبيها, الصغيرة سوف تكون مصدر فخري وهيبتي بين الخلق وإن كان لي ذكرين قد يقوما بهذه المهمة المستصعبة على فتاة, الصغيرة سوف تجمع الشتات وتنصر المستضعفين وتعيد المجرمون عن أقدارهم الدامية وكأن ذلك في وسعك مخلوق خاصة لو كان إمرأة
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD