الفصل الثاني

4404 Words
القاهرة سبمتبر 2012 البداية  لم أكن مؤمن بفرضية الصدف حتى صادفتها وإنتشلتني الراحة من بحيرة المعاناة, راحة غمرتني لما صادفت رؤياها بمقهى أبيها الكامن في حي المهندسين, تحمل على كتفها حقيبة نسائية كبيرة للغاية, و ترتدي جونلة حريرية قصيرة تظهر أجمل سيقان إمتلكتها ماليزية مصرية خليطة؛ ورديتان ممتلئتان ليس بهما أيما صدوع, فقط أعمدة من الرخام المرمري. بشرتها كأنها أحجار من الروبي المصهور على منحونة رومانية فنتج عنه سارة. عيون كبيرة تحتويك وقد تسقط بها بلا أمل في النجاة فهما كــمسبكين من الحليب الصافي وقد طفي على صفحتهما بخمول حجرين دائريين أسودين من سكاتوليت المذبوح بضياء القمر كعينا القطط؛ عذراً فمن هواياتي جمع الأحجار الكريمة و سارة كنزي الذي لم أبحث عنه و وجدني. تملك أنف أفطس بعض الشيء و لكن متناهي الصغر حتى أنه لا يملك قصبة هوائية أو غضروف. - إإإإإيه يا عم هتفضحنا متنح فيها كده ليه ؟! صديقي أيمن كان ينبهني قبل أن يفتضح أمرنا و تقرعنا سارة, و كأنها ليست الجانية و مسببة كل نزاع و تجمع هذا اللفيف المتنوع من شتى أطياف الرجال, كيف لها أن تحمل كل هذا الجمال مرة واحدة, ثم تتجاسر و تخرج به كاملاً من دارها كي يتنازع عليه العطشى و الجياع. ماذا دهاني بحق الله, عندما أشار لي صديقي ناحيتها إنتفضت واقفاً في وجوم أتفحص كل خلية بها, خدرتني رؤياها وأفقدتني يقظتي الدائمة و استقراري التام مع وحدتي ثم مرت بي ذات يوم ؛ سارة . عدتُ للجلوس و قلت للنقد البناء ليس أكثر : - مش قصيره شوية ؟ استنكر صديقي أيمن بشدة : - و هو انا هدخلها حربية ؟! انا عايز أكلمها بس . كانت قصيرة بالفعل بالكاد قامتها تناهز المائة و ستون سنتيمتر أو أقل, من أجلها جُمع ثمان رجال بمقهى حقير بحي المهندسين بعدما كانت جلستنا بأندريا الزمالك ذو الرحابة والمشروبات الباردة و الساخنة والروحانية والأهم مما ذكر لا يوجد به أغبرة النارجيلة التي أغشت عني الضوء و الصوت و حتى الهواء. نعم نحن زملاء مالك مراد وهو من أرشدنا لأندريا ثم فر هارباً للزواج و أمسى ملك العفة حتى أن لقائه صار بالعمل فحسب, فزوجته متسلطة للغاية وتبقيه بجانبها على الدوام. زميلي أيمن من سحبنا سحباً من جلستنا الرحبة بأندريا لمقهى أمسية سارة وسعيدة لمالكه أنور أبو المجد أبو سارة وأختيها؛ أمسية الكبرى وسارة الوسطى ثم أخر العنقود سعيدة . صديقي أيمن هو من تتبع سارة ببادئ الأمر لما رءى فيديوهاتها التجميلية الإرشادية على هاتف زوجته, فــسارة تعمل فتاة دعاية إنما من نوع خاص؛ بلوجر أو أنفلوينسر كما يقولون بتلك الأيام, تُعلِّم النساء وضع المساحيق وإتباع خطوط الأناقة الراقية عبر قنواتها على مواقع التواصل الإجتماعي, متابعينها وصلوا للمليون متابع كما إنها ذا شعبية ضخمة لدى الرجال كما النساء وذلك لجمالها الأخاذ وشعرها الغريب المريب فهو بني داكن, ناعم كثيف, طويل للغاية حتى أنه يتعدى خصرها النحيف . - انت هتفضل متنح كتير مش هتعرفني عليها ؟ قالها أيمن ليسرقني من إحساسي الجديد عبر التأمل في نعم الله على أرضه مما جعلني أجيبه بحنق : - وانت حد قالك إني أعرفها من أساسه انا أول مرة أشوفها !! - انت بس خُشْ عليها, و إظهر الساعة الدهب و إفتح القميص البرادا و وريها البينش. تدخل زميل أخر يدعى مصطفى قائلاً : - و هو لما يفرجها على كل الحاجات دي, هتبصلك أنت ليه يا نحيف القوام؟! قوموا بينا نروح أندريا التكييف هنا زي الزفت .. حتى الشاي ماسخ .. مالك جاي يا وجيه ؟ - مراته عيانة . - أحسن, بقه رخم أصلا من يوم ما أجوز . حتى و أنا أجيب أصدقائي كانت عيوني عليها وهي تتحدث لأبيها ملولة, من فرط السأم تجذب شحمة أذنها الخالية من أقراط مراراً. إنتهي الحديث لما أتى شاب مخنث شعر رأسه القصير مصتبغ بتكلف بالصفرة كما وجهه النحيف, حمل عنها حقيبتها الكبيرة ومشى من خلفها بعدما ودعت أبيها ملوِّحة بيسراها مع تعبير مُزري وجهَّته له, لما قلبت عيناها و شفتاها بإستياء ثم خرجت من الكافية لأنها تبغض أن يطلق أحد على مقهى أبيها مقهى . سألت أيمن متبحثاً : - مين الواد اللي معاها ؟ - بتاع الشيشة . - وواحدة زي دي ماشية مع بتاع الشيشة ؟! - السواق بتاعهم .. اللي أعرفه إنها بتيجي هنا كل يوم أحد تاخده بعربية أنور ويطلعوا ناحية أكتوبر . - ليه ؟ - كليتها هناك بيوصلها ويرجعها تاني المهندسين وبعدين هي ترووح مدينة نصر, ساكنة هناك . نظرت لصديقي غير مصدقاً : - انت هتخطفها ولا إيه ؟! كل دي معلومات جامعها عنها .. انت راحت منك, انت مجوز ولا نسيت ؟! تقلبت عيناه في قسماتي باستياء بينما يقول : - يعني عايز إيه .. بتشاور عقلك و عايز تاخدها مني ؟ - انا ماليش في الحاجات دي وانت عارف .. انا كده سلطان زماني. ولكني تنازلت عن السلطنة فور رؤياها. في هذا اليوم كنت عائد من عملي بمدينة مرسى مطروح, أعمل مدرب طيران بالقواعد الحربية المصرية, أحمل رتبة رائد, يقولون بارع بعملي لهدوئي وتحملي الشديد فباقي المدربين لا يتحملون إندفاع و غباء الطلاب الجدد على عكسي بالطبع فلازلت أذكر إنني كنت بيوماً ما طالب مثلهم, و أذكر كذلك السعادة التي ضاق بها قلبي لما صعدتُ على متن أول لطائرة كقائد لها وجعلتني أنسى كل ما تعلمته وأصير غبي مندفع مثل طلابي. معلم محبوب للغاية من طلابي, البعض منهم من يتخذني مثل أعلى لأن الكل يتخذ مالك مراد مثل يحتذى به, أتمنى أن يروه يوماً ما مع زوجته وهي تلقي على رأسه المزهريات ثم يقررون. عودة لغابات السرو والسرور تركتُ و زملائي مقهى أمسية سارة وسعيدة و إتخذنا طريقنا لأندريا, ولا يزال الحديث مستمر عن فتاة الدعاية الشبيهة بالأسيويات ولكم محبوبة تلك الفئة من الرجال فنحن نحسبهن خانعات, هادئات, مخمليات كما يصدر لنا إعلامهم. صديقنا مصطفى يجد سارة مصطنعة كباقي بنات جيلها, بإسنفجة ودلو من الماء تعيدها لحقيقتها مسخ مصري أنثوى كمثل الزوجات القابعات في بيوتنا, ولا داعي لإهدار وقتنا المأسوف بمقهى أنور القذر لأجلها, و إن كان ولابد أن نقضى أجازتنا مع مسوخ لنقضيها مع الزوجات. كلمات صديقي الملهمة أضحكتني للغاية والذي إختتم بينما يربت على ساقي بحقد مبالغ لأني الوحيد بينهم من يملك حريته بعدما كتبت لي النجاة لما طلقت زوجتي الأولى منذ سنوات عدة : - طبعاً الكلام مش ليك يا وجيه زمانك. قال أيمن بثقة متناهية : - طب انا هثبتلك إنها زي القمر . أخرج أيمن هاتفه النقال من جيب بنطاله ثم عرض علينا فيديو لسارة على شبكة الإنستجرام وهي تستعرض العديد من العبوات من كافة الأحجام والألوان, تلعب بكل واحدة منهم على حدى أمام الكاميرا بخبل بعض الشيء إنما يميل للطفولية, كل عُلبة منها لها وظيفة بوجهها المليئ بالمساحيق, تلك دهنت وجنتها و أخرى عيناها و أخيرة شفتاها. تشير بسبابتها على عيناها وقد كانت أكثر شيء دبغ بالمساحيق القاتمة كما أن وضع رموشها مستغرب بعض الشيء لأنها مستعارة, ترفعها عن أجفانها بخفة و تلقيها على طاولة أمامها, يبدوا أن مصطفى معه كل الحق؛ فهي مجرد مسخ أنثوى حوّله المساحيق لأثنى كاملة . تخرج علينا الآن بزجاجة بها سائل أبيض اللون تسكب البعض منه على ظهر يدها اليسرى وتستعرضه للكاميرا ليستبين الجمهور مدى كثافته أو فعاليته لا أعرف تحديداً لأني لم أكن أهتم بالمساحيق حتى سارة بالطبع. ينتهي إستعراض المنتج الأخير لما تضع السائل الأبيض على وجهها و من ثم تمرره برفق على قسماتها لبضع ثوان حولتها لمسخ بالفعل. سحبتْ منشفة صغيرة إرجوانية اللون من أعلى طاولة تجلس من خلفها ومسحت عن وجهها المساحيق التي أذابها السائل الأبيض وحينها تبدى جمالها الحقيقي. حاجبين صغيرين كالهلال, بشرة وردية لم تنحاز للذبول لما دبغت وتقشرت بالكيمياويات الكثيفة, فم ملائكي بحجم قبلة عابرة وكأنه قلب لكيوبيد إتسع و تمدد إلى أن تحول لفراولة شهية سكنت شفتاها, ثم العيون المحيرة؛ للوهلة الأولى تراها ثقباً أسود قد يبتلع العالم ولكن عند التدقيق تعود سماء حليبية, حَوْراءَ جَيداء يُسْتَضاءُ بِهَا ... كأَنها خُوطُ بانةٍ قَصِفُ, وكأن بيت الشعر هذا خُط لها. صاح أيمن مستنجداً بمصطفى من أشعاري التي نالت من فتاة أحلامه الجديدة: - شفت يا مصطفى أهو عايز ياخدها مني . نظر لي مصطفى متعجباً من أمري ثم خاطبني مستنكراً : - إيه اللي انت بتقوله ده ؟! ما تتكلم عربي يا عم زينا ولا قعدتك من غير ستات جننتك يا وجيه .. بكرة تمشي بربابة . ثم تحول عني مصطفى لأيمن و أردف متبرماً : - وانت يا كازانوفا واحدة زي دي لو مالهاش فضايح زي غيرها مش هتعبرك, يعني دوغري و سكتها جواز و انت متهبب متجوز تقدر تقولي عايز تكلمها ليه ؟ أضفت لمستى الأغريقية لناسك ترك وبال النساء منذ زمن لما قلت : - وحتى لو خربت بيتك و شردت عيالك في الشوارع و إجوزتها .. واحدة في جمالها تجيب المشاكل . لا أعلم لمَ تلك الجملة تحديداً أثارت حفيظة مصطفى خاصة, فقد صاح بي مأنباً بعدما كان مسانداً : - انت هتعمل زي صاحبك الواطي اللي حفظنا النشيد و راح إجوز واحدة تحل من على حبل المشنقة .. يا رب يا مالك تصحى من النوم في يوم تلاقيها بقت شبهك. إرتد على مصطفى دعائه لما قلت : - هتبقى حلوة برضه .. مالك أشقر . مالك اللعين من لقننا الدرس وهو أول من إنتبذه فمن كلماته المأثورة؛ عليك صديقي عند الزواج إختيار زوجة من أصول عريقة, ذو درجة علمية لا بأس بها, يكفي أن يكون في وسعها ملاحقة دراسة الأبناء ويا حبذا أن لا تملك طموح مستقبلية لحكم العالم . متوسطة الجمال إلى دميمة, تستطيع التعرف عليها عن طريق الصفة التشريحية فحسب فمهنتك تعتمد على الترحال ولابد أن يكون في بيتك رجل ثاني يخشى المترصدين من ملاحقته في غيابك. من أعمار متقاربة والأفضل أن تكون عانوس أنقذتها من مصيرها المأساوي تحفظ لك هذا الجميل ما حييت وتعيش خادمة لك ولأبنائك, و بالنهاية تزوج مالك من فتاة جمالها مضرب المثل وحيرة الجموع وتأسِّي المتنعمين قبل المحرمين, تصغر مالك بإحدى عشر عام أو أكثر, تنافس في خطب ودها المتنافسون من شتى أصقاع الأرض وهو من فاز بها بعد عناء كان لا يوفره إلا لأبحاثه العلمية. أخرجني أيمن من ذكرياتي لما قال بخيلاء : - و مين قالكوا إني بتاع جواز دي غلطة الواحد ما يكررهاش إلا لو كان متخلف عقلياً .. انا هصاحبها بس .. أبوها لو شاورته بمائة جنيه يجيلك راكع وهو اللي هجيبها لحد عندي .. إيه رأيك يا وجيه ؟ رأيي أن أيمن صديقي غر ليس في وسعه قرءاة لغة العيون, فلو كان لاحظ محادثتها مع أبيها اليوم لعلم أنه غير مهيمن عليها بأي سلطان من أي نوع, و السبيل الوحيد إليها صبي النارجيلة فقد كانت تحدثه بود لم يناله أبيها. وجيه؛ أي أنا لا يبحث عن أي شيء, و أحياناً, بل و أغلب الأوقات ينتظر من كل شيء أراده أن يبدأ هو في الخطة البحث, وليس العكس كما المقدر. وجيه شخصٌ وجيه لأنه ترك كل المكدرات, يعيش وحيد في بيت أبيه أو أمه لأن والديه تطلقا منذ كان في الرابعة من عمره. وجيه لا يحمل ضغينة لمخلوق و الجميع أصدقائه والأعداء يجتنبهم فحسب و بحمد الله ليس له أعداء لأنه مسالم للغاية, حياته تلخصت على عمله سيارته طلابه و طائراته . وجيه عاش بالخارج لعشر سنوات؛ هم من أبدلوه لوجيه صفة كما إسماً. حياة الناس في الخارج بسيطة إلى أقصى الحدود يتبعون حكمة إعتزل ما يؤذيك دون أن يعلموا عنها شيء؛ ولذلك إعتزلتُ كل ما يؤذيني و أولهم النساء, العائلة أو أي علاقة حميمية عميقة قد تستنزفني فأنا ملك العلاقات السطحية . هي الوحيدة التي جعلتني أتخلى عن صفتي الأولى؛ الوجاهة لما تبعتها كمراهق ولكن مع بعض الحنكة, لم أتبع نهج صديقي أيمن الذي إسترابها بنظراته و وجوده الدائم في مقهى أبيها مما جعلها لا تقرب المقهى منذ رأيتها به أول مرة. تكون هناك الأحاد من كل أسبوع, فذهبتُ لمقهى أبيها السبت و طلبتُ نارجيلة منكهة بالتفاح فلستُ من أنصار النارجيلة بشمولية, إنما كان غرضي مقابلة صبي النارجلية عن قرب, إلا أنني قابلت أنور, لما رءاني جالس وحيد إلى مائدة جانبية تهللت أساريره و إقترب مني مرحباً قائلاً – أهلًا - لعشرات المرات ورغم إنني أراه لأول مرة, صافحني و أراد تقبيلي ولم أمانع للأسف و لأجلها . - أهلاً بالباشا أومال فين بقيت الشلة ؟ - أجازتهم خلصت . - أنا إفتكرت حاجة زعلتكوا مننا ؟! - لاء أبداً كله كويس. - شربت حاجة ؟ - مستني الشيشا. ثم أذن مني ليعدها بنفسه من أجلي. كاذب بالطبع, فكفه اللينة لا تلمس بارد ولا ساخن وبعدما لامست يد سارة وجدتها توازي نعومة يده. لحظات في تفحص الوجوه من حولي للملل ليس أكثر؛ رجال من كل الأعمار من السبع للسبعون, ذو السبع أمام أجهزة الألعاب المتطورة الإلكترونية والسبعون مع الجرائد والينسون ومن دون ذلك؛ صاخبون ضاحكون تاركين الجامعات ويتسكعون لدى مقهى أمسية سارة و سعيدة آملين بلقاء واحدة من الأخوات الثلاث فجميعن على قدر كبير من الجمال. جائت النارجلية مع الصبي المصفر, يحملها عالياً متجاوزاً برشاقة الطاولات المتراصة و باقي النارجيلات التي تملأ أرض المكان و إلى أن أسكنها بجانبي. أخذ يسحب منها الانفاس الطويلة حتى كرع حجر التفاح عني, إنما لا بأس فلستُ مدخن . ناولني اللاي و هَم بالذهاب فإستوقفه قائلاً : - يا كابتن. عاد إلي بينما يقول بآلية : - أوامرك يا باشا . - كنت عايزك في حوار كده . أخرجتُ من جيبي ورقة واحدة من فئة المائتين جنيه و دسستها في يده ثم قلت : - قابلني كمان عشر دقايق جنب السيفيك الحكلي. وضع الورقة الرابحة في جيبه ثم قال في حبور : - هي بتاعت حضرتك .. انت مزاج كبير أوي يا باشا .. دي حكاية !! أعلم, فهي حكاية و غواية وآسرة الأمزجة فقد عدَّلت بها كل شيء تقريبًا لأحدث صيحات السيارات لشئون السرعة القصوى . ابتسمت مجاملةً لذوقه الفريد بالقطع الفنية النادرة كمثل حبيبتي ثم ناولته حساب نارجيلة لم أشربها وخرجت من الكافية لمعشوقتي . إنتظرته بجانبها ولم أطيل الإنتظار فقد تبعني بعد أقل من ثلاثة دقائق. طالعها بشغف بينما يقول : - مقضية بإذن الله يا باشا محسوبك يجيبلك لبن العصفور .. إلا موبايل العصفور اللي انت جايله. قلت بإشادة : - برافو عليك .. بس انا مش عايز موبايل العصفور .. انا عايز أقابلها على طول. - ملهاش في السكة دي يا باشا. - ولا أنا ليا في السكة دي .. انتوا بتروحوا فين يوم الاحد ؟ - كليتها .. بوصلها و أرجعها المهندسين زي ما قلت لزميل سيادتك . - حلو وديها أكتوبر وإعطل هناك و انا هرجعها المهندسين . صمت للرفض لأنه يخشى الجهر به فأنا أحتسب ضابط بأي حال و حينها قلت مطمئناً : - يا بني هرجعها المهندسين زي ما هستلمها منك .. مش هاكلها في الطريق .. وفوق اللي خادته ألف جنيه مقفلولة . قال مساوماً : - خليهم ألفين .. دي سارة أنور . - ألف وخمسمية بالمتين اللي في جيبك و لازم تركب معايا. لم يتنازل فتي النارجيلة عن ألف جنيه الآن, و أخرى يتسلمها بالغد و قبل أن تركب سارة سيارتي و وافقتُ ولا أعرف لأي سبب . أنا رجل بلا حياة عاطفية, وعاطفتي الوحيدة موجهة نحو سيارتي وحيواناتي الأليفة وأحجاري الكريمة التي جمعتها من أسفاري. لم تكن لي إلا تجربة واحدة ولا أستطيع تصنيفها بالعاطفية لأنها كانت زواج قصير الأمد و إن إمتد لثمان سنوات و نتج عنه فتاة وحيدة أسميتها سما نكاية في أمها, فقد كانت تكره السماء التي تحملني عنها على الدوام و كأن الأمر بيدي أن أطير على الأرض مثلاً أو أنقل قاعدة حربية للزقازيق حيث كنت أسكن مع زوجتي السابقة حينها . سارة سارة سارة, ماذا فعلتِ بنفسي, أي مواضيع قد أختلقها لأجل سارة و لابد أن تمتد من السادس من أكتوبر وحتى المهندسين أي مسافة لا تقل عن تسعون كيلو متر . أأدعوها للغداء ؟ نتبادل أرقام الهواتف ؟ ترفض الأمر برمته و أخسر ألفين من الجنيهات بيوم و ليلة كما أتمنى, لكم شعرت بتورطي بعدما ناولت الصبي الألف الأولى وأردت من قاع قلبي أن يعود بي الزمن و أرفض دعوة أيمن لكافيه أمسية سارة و سعيدة و لا أراها يوماً . باليوم التالي إستيقظتُ السابعة صباحاً ألعن الأمس ونتائجه التي دفعتني للهبوط عن الطابق الثالث و الأخير بفيلا أبي بمدينة العبور للطابق الأول و بأغلب الأحيان تكون أخواتي الثلاث تعد كلاً منهن أولادها للذهاب للمدرسة. ثلاثة أخوات فحسب و أنجبن إحدى عشر ولد, لكلاً منهن بيتاً و زوج و رغم ذلك يسكنن بيت أبي لمجرد الشحاذة؛ هذه تستعطف أبيها لنفحة والأخرى لمصاريف المدارس التي قصمت ظهر زوجها و هكذا دواليك. المدهش أن الأزواج يعملون بمعارض ومراكز صيانة السيارات المملوكة لأبي وتقريباً إن لم يكن تحديداً أبي متكفل بكل شيء الأخوات والأزواج وأخوي التوأم وليد و وفيق ولا داعي لإستحضار شفقته والسكن معه لإزعاجه بفريق كرة القدم المصغر الذي يلتف من حولي للسلام و التحية و - مصروف يا خالو - - صباح الخير يا أستاذ وجيه . - صباح الخير يا حاجه . - نحضرلك الفطور ؟ - شكراً يا حاجة هفطر برة مع إصحابي . زوجة أبي دائماً تناديني بأستاذ وجيه, كنت وجيه بيوماً من الأيام إلى أن تخرجت في الكلية الجوية وتحولت لأستاذ. يخيل لي إنها تظنني قد أستوقفها بممر الغرف و أطلب منها هويتها فهي بسيطة للغاية كما إنها لا تقرأ أو تكتب كأبي, تحبني ولكن لغرض فأنا من أمنع الأخوين أحياناً من إفتعال الكوارث فأخاً منهما عبث مع المنشاوية والمنشاوية عندما يغضبون على أحد يجعلوه يستجدي الموت بعدما يحكموا عليه بالفقر الأبدى ولو كان أوناسيس . أيديهم متوغله في شتى التجارات و تكفي إشارة من كبيرهم ليقفل بوجهك كل باب للرزق, ولولا علاقة الصداقة التي ربطتني بمالك المنشاوي وتذللي له ليعفوا عن حماقة إرتكبها أخي الأصغر لعاد أبي للعمل بورش ميكانيكا السيارات بالزقازيق كما نشأ وليس ملك البودرة فأبي من أدخل البودرة لمصر. ليست البودرة التي تحسبون بل مرسيدس E200 الملقبة بالبودرة لغلاء ثمنها و الذي لا يقدر علي دفع ثمنها الباهظ إلا تجار الممنوعات. خرجت من فيلا أبي وجدت سيارتي تنتظرني في كامل أناقتها, البستاني أعدها لي لما غسلها و جففها و جلى نوافذها بجهد لا تلقى مثيله حتى بمحطات الوقود. يناولني تحيتي العسكرية ثم يتمتم صباح الخير يا وجيه باشا . - إنت اللي باشا تسلم إيدك يا عم عبده. وضعت بيده العشرون جنيه و قد قضيتُ على محاولاته المستميتة لتذرع الحجج لئلا يتناول مني نقود و لكنني أحب أن أدفع عن جميلتي ثمن تزينها لي. اعتليتُ جميلتي و من ثم داعبت وجنتاها لأسمع هديرها الوحشي لموتورها المعدل ذو الثلاثة ألآف حصان, دقيقة من الإحماء وها هي مستعدة للإنطلاق لأجمل يوم بحياتي ولا شك. يكفي أن أراها عن قرب, و أسمع صوتها خارج فيديوهاتها الدعائية والتي قضيت الليل في مشاهدتها علّني أجد مدخلاً لائقاً للأحاديث. قبل أن أخرج من مدينة العبور توقفتُ في أول محطة وقود لأملأ خزان سيارتي لأخره لرحلة اليوم الطويلة, وأظنني قد أتزود بالوقود مرة أخرى عند عودتي, وبالطبع لم أنسى أن أسحب من ماكينة الصراف الآلى خمسة الآف من الجنيهات دفعة واحدة؛ منهم ألف للصبي والباقي لليوم فهي سارة أنور قبل أي شيء فلو تشتري نصف المنتجات التي تعرضها على الجمهور للنصح و الإرشاد لابد أن تكون مليونيرة. بلقائنا الأول تأخرتُ وهي تكره ذلك لأنها دقيقة بمواعيدها للغاية, تقف بالواحدة ظهراً على طريق المحور السريع تستند على مؤخرة سيارة أبيها, يبدوا عليها الغضب والإرهاق سوياً, فقد أكلت الشمس عليها و شربت ولا سيما تناولت حلواها من وجنتاها الكرزية. لأني محظوظ كما يردد الكثيرون, كانت ترتدي ذات التنورة التي رأيتها عليها بأول يوم إلتقيتها, فقط لو كانت إنحازت للكعب العالي لإكتمل المشهد البهي و لكنها ترتدي حذاء بسيط أسود اللون محازي للأسفلت. إقتربتُ ببرائة من سيارتها الجانحة على جانب من الطريق, ثم ترجلتُ من سيارتي للصبي الغبي الذي لم أسأله عن أسمه فمن المفترض إننا أصدقاء. قلت متداركاً مرحباً يداي بالسماء إستعداداً لإحتضانه بحميمية : - حبيبي .. إزيك .. ايه يا بني حد يعطل في الحر ده ؟! لعنة الله عليه يحتضني بحميمية بالفعل و يضمني بجسده المغرق في العرق الآسنى ذو الرائحة المنفرة والأكثر قذراة وجنتاه كذلك متعرقة وقد جرى تجفيفهما بوجنتاي بداعي القبل . لما إنتهينا من واجبات القرف قال بمشقة تمثيلية : - سير الفرامل إتقطع . - طب تعالي معايا أطلعك على الطريق تجيب ميكانيكي. نظر ناحية سارة وقال : - تستني هنا يا سارة و لا تيجي معايا ؟ فقط نظرة إستعلى بها حاجبها الأيسر عن الأيمن تفيد الإستنكار الشديد فأعاد القول : - انا هتصرف يا وجيه .. ممكن بس توصل سارة المهندسين ؟ - انت يا بني أدم إنت . كانت سارة تصيح بإستنكار فقال الصبي مبرراً: - وجيه صاحبي جامد أوي . نعم - جامد أوي - تكفي كــبينة على الصداقة, يا له من أخرق, و أنا أكيد من ذلك وسوف يذهب فرصتي مع السرور, أردف : - وجيه ظابط . عند ضابط تخلى وجهها عن التغصن قليلاً ثم تحركت من خلف السيارة لجانبها الأيسر حيث النوافذ, سحبت من نافذة السيارة الخلفية المطوية الزجاج؛ حقيبتها الضخمة ثم تقدمت نحونا بينما تخاطب الصبي بسخرية : - أوكيه .. خليك أنت هنا يمكن الشمس تفوقك .. ياللا يا اااا - وجيه . تفحصتني من أعلى لأسفل لتختبر وجاهتي إسماً كما صفة ثم قالت متهكمة : Ya ... Why not- وتحركتْ صوب سيارتي فتبعتها و لكن إستوقفني الفتي وقال مذكراً : - معاك فلوس زيادة يا وجيه .. أصل مش عارف السير هيتكلف كام ؟ عدت إليه وأخرجت الألف جنيه من جيبي ودفعتها لوجهه, وقبل أن أذهب همس لي مستهزئاً أو ناصحاً على أقل تقدير : - أوعي تقل عقلك .. هتقل بيك جامد . أجبته ببساطة : - خلي بالك إنت من نفسك . وتركته وذهبت إليها, كانت جلست بالفعل من داخل السيارة وتتلفت من داخلها في تعجب وإستياء شديدين و لما ركبت بجانبها قالت : - إيه العربية الغريبة دي ؟! و الكرسي ناشف أوي .. وريحتها وحشة. توقف هدير النقد الهدام على شفتاها فجائياً لما إنشغلت في البحث عن شيء ما بمخلتها المتشبة بحقيبة نسائية, أخرجت من الحقيبة زجاجة عطر ضختها بكل ركن بالسيارة, العطر كان يحمل عبيرها الأخاذ فقد إنتقل بي لجلسة ودية من داخل محال لصديقاً لي يصنع العطور كهواية ووراثة عن أجداده . أجبت النقد في هدوء : - أصل لسه مفول. لم تفهم ما أعنيه فقد قالت متسائلة : - ما .. إيه ؟ - مليت العربية بنزين .. فول تانك عشان كده ريحتها بنزين. - معاك ماية ؟ - لاء .. بس كمان 100 متر هيكون في كشك نجيب ماية. - أوكيه . ثم صاحت بلا أسباب : - ما تطلع احنا هنبات هنا ؟! - حاضر . و أدرتُ السيارة و إنطلقت فقد كان إنتظاري لأمراً أخر قد يصدر منها أو سؤال . ظللنا صامتين لمائة متر و إلى أن وصلنا لكشك التجزئة الذي أشرتُ إليه مسبقاً وحينها ترجلتُ من السيارة لأبتاع لها المياة . ترجلتْ من السيارة معي فسألتها : - رايحة فين ؟ قالت ببديهية شديدة غابت عني وحيد لأنها تجيبني بإستهزاء سقيم : - هجيب الماية . - انا هجيبلك .. خليكي في العربية الجو حر عليكي . - ميرسي . قالتها بمنتهي البرودة و السخافة ثم تحركتْ للكشك وإبتاعت منه زجاجة كبيرة للمياة وعادت للسيارة في هدوء, أما أنا على حيرتي أراقب الأحداث و لا أشارك بها إلا عندما نظرتْ لي من خلف زجاج السيارة الأمامي بمعنى؛ هلم يا بارد من الخارج فذهبت إليها يملؤني التعجب. أكملت طريقي صامت من جديد فقد ضاع مني الحديث أمام حدتها الشبه دائمة معي إلى إن قالت : - انت ضابط فين ؟ - جوي. - يعني إيه ؟ - طيار حربي . - يعني إيه ؟ - طيار في الجيش . - بتوع المكرونة و الجبنة ؟ قلت في إمتعاض شديد : - ايوه هما دول . - بتقف فين نشتري منك انت ليك نسبة مش كده ؟ وحينها ضحكتُ فتعجبتْ لضحكي فقلتُ متداركاً : - بقف في مكان مالوش مواصلات . - في الجيزة يعني.. انا أصلا من مدينة نصر و مش بخرج منها أبداً غير للكلية... ممكن أخلي إيهاب يعديني عليك قبل ما أروح الكلية. ضحكتُ من جديد ثم قلت موضحاً: - بتشوفي طيارات صغيره بتطير على مستوي منخفض لونها بني في كاكي؟ قالت متحفزة : - اه عارفاهم رخمين جدا ومزعجين أوي .. مش معقول كمية التخلف اللي فيهم .. هما ليه بيطيروا في مدينة نصر .. هو في حرب عباس العقاد ؟! تغاضيتُ عن رخامتي و إزعاجي و كل إسائة وجهت لي منذ عملت طيار و لم أتلقى إلا الإشادة حتى سارة و قلت : - ما علينا انا بقه اللي بسوق الطيارات دي فهمتي ؟ قالت مستهينة : - يعني مش ظابط أصلا. سايرتها قائلاً بهدوء : - أه .. سواق . - أوووكيه. قالتها بسقم شديد ثم صمتت تماماً, فالضابط عند سارة من في وسعه إستخراج رخصة قيادة لها, وهي قابعة بمنزلها وفعلت ذلك لأجلها ولم تراني ضابط كذلك . - ساكنة فين في مدينة نصر ؟ - وانت ما لك . - انا كنت هوصلك مدينة نصر. - ميرسي . - طب هنزلك مدينة نصر وانتي كملي . - لا هتنزلي الكافيه .. اوكية ؟ - أوكيه . ثم إلى الصمت من جديد. لازالت تتلفت من داخل سيارتي بغرابة شديدة, ثم تقول : - انت عارف لو بعتها مش هتجيب ربع اللي صرفته عليها .. بس تحفة بصراحة . - مش ناوي ابيعها . Vintage - يعني؟ ( أنتيك ) - بالظبط . - لذيذة .. اكيد أخدت منك مجهود كبير اوي .. - فعلا . لمَ إجاباتي متقتضبة بعد إسهاب لم أتسم به إلا لأجلها, هي من أمست تختلق الأحاديث وأنا - السواق - بالفعل كما تظنني. هناك طريقة واحدة لجذبها من جديد و تفلح مع كآفة النساء بل و الرجال أيضاً . قلت : - شفتي طيارة حربية قبل كده ؟ - لاء . - تحبي تشوفيها ؟ - لاء . ياللإحراج هل هناك مخلوق في العالم يرفض رؤية طائرة حربية إلا سارة. هل هناك مخلوق يملك هذا الشعر الجميل الذي يمشط داخل سيارتي بفرشاة كبيرة, مرة لليمين ومرة لليسار و نهاية والأعجب للأمام ومن ثم تلقي به من خلفها لتزداد كثافته كما لاحظت عندما سكنت وشعرها . - شعرك حلو أوي . - وانت أقرع أوي . نعم أنا أقرع, حقيقة ولا داعي لإخفائها, فقد زحف إلي الصلع الوراثي و منذ كنت بالرابعة و العشرون فسارعت وبدلته بالقراع كما تذكي الموضات وحلاقي وها أنا الآن بالسابعة والثلاثون ولم أبدل قَصة شعري الآسرة؛ القراع . Sorry- . - عادي ما أنا أقرع فعلاً . - تعرف إني fond of bold men. (مولعة بالرجال الصلعان) سعدتُ لتداركها أو إعتذراها المتخفي بعد غمامة خجل تغطت على عيناي عوضاً عن رأسي الأقرع إنما الحقيقة تفرض نفسها, النساء لا يغرمن بالقرعان. قلت مكذباً رأفتها : - مش معقول مفيش ست بتحب الراجل الاقرع . - لا بجد .. انا بحب جداً بروس ويليس و عسيلي وجيسن ستاسم انت شبهه جدا على فكرة . - العسيلي ؟ - لا طبعا ستاسم .. عسيلي قلبوظة شوية. قلت بينما أضحك بشدة : - ربنا يجبر بخاطرك . أضحكتها جملتي الأخيرة بشدة و حينها ظهرت أسنانها الحليبية و نظرت نحوي تتفرسني, يبدوا إنها تقعد المقارنات بيني و بين إستاسم و أتمنى الفوز بتلك المقارنة بشدة . سارة أنور لا يفصلني عنها إلا عشرون سنتيمتر وإبتسامتها وقولها المحذر لي : - بص أدامك . - معلش أصلك ما شاء الله حلوة أوي .. ربنا يحفظك . ضحكتْ من جديد, ليس للخجل و لكن لوقع كلماتي, لن تجد من يدعوا الله لحفظها إلاي. ذهبت نظراتها عني للطريق ثم قالت بخيلاء : - ما انا عارفه . وكلانا تبع الطريق ثم جاء أذكى ما قيل في اللقاء : - تعرفي فاشونيستا راجل ؟ - يعني ايه فاشونيستا راجل ؟ - راجل بيفهم في اللبس والموضة عايز حد يغيرلي طريقة لبسي . - أعرف بنت تنفع ؟ - لو شاطرة مفيش مشاكل . - تحب تبتدي إمتى ؟ - بكرة . - انا بكرة مش فاضيه خليها الثلاثاء . حدجتها بغرابة لم أستطع إخفائها فأردفت : - انا بعمل كده بس لناس قليلة جداً .. اعتبره الـ thank you بتاعي عشان أنقذتني انهارده .. بس ده سر . - ليه ؟ - كده . - زي ما تحبي .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD